أتذكر كلمات رئيس الوزراء الماليزي محمد نجيب عبدالرزاق في عام 2014م بمؤتمر (مستقبل آسيا: رسالة إلى العشرين سنة القادمة) في محاضرته بطوكيو عندما قال: "على مدى عشرين عاماً ظللنا في هذا المؤتمر نتحدث عن مستقبل آسيا¡ واليوم نعيش ذلك المستقبل الذي كنا نتحدث عنه لنستعد للمستقبل القادم!". مقالة اليوم تستعرض كيف وصلت ماليزيا لهذه المرحلة الحضارية ودور الشراكة مع السعودية في صياغة المستقبل القادم لماليزيا..
بعد استقلال ماليزيا عام 1958م بدأت مسيرتها التنموية بتصدير السلع الأولية كالمطاط والقصدير مع محاولة إحلال المنتجات المحلية مكان الواردات الأجنبية ولكن واجهت تلك الاستراتيجية صعوبات نتيجة حجم السوق الماليزي الصغير وسوء توزيع الدخل بين شرائح المجتمع الماليزي بين أقلية صينية ثرية وأكثرية مالاوية فقيرة.
تغير هذا الوضع مع إنشاء الشركة العامة للبترول ومشتقاته (PERNAS) عام 1969م والتي لعبت دوراً كبيراً في زيادة المداخيل من جهة¡ والتحول لشركة قابضة وطنية تمتلك قطاعات مهمة مثلº التأمين¡ البنوك¡ العقارات والتعدين بعد أن كانت تحت سيطرة الشركات الأجنبية. ومع دخول السبعينيات ركزت ماليزيا على قطاع صناعة المكونات الإلكترونية ما زاد الصادرات وخلق الوظائف وخفّض البطالة وحسّن توزيع الدخل بين فئات المجتمع. ومع دخول الثمانينيات إلى نهاية التسعينيات ركزت ماليزيا أكثر على الصناعات الثقيلة وزيادة الصادرات واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وبعد أن كانت ماليزيا تحدد سقفاً أعلى لحقوق الملكية لرأس المال الأجنبي قررت الحكومة السماح بتملك الأجانب 100% من الشركات بشرط أن لا تقل نسبة الصادرات من المنتجات عن 80% أو يزيد عدد العمال الموظفين بعقد كامل عن 350 عاملاً. وسمحت حكومة ماليزيا للشركات الأجنبية التي يصل رأسمالها المدفوع لمليوني دولار أن تستقدم خمسة أجانب فقط للعمل في الشركة! وكانت الحكومة الماليزية تشترط ألا تنافس المنتجات التي ينتجها المستثمر الأجنبي المنتجات الوطنية الماليزية في السوق المحلي.
طبعاً واجهت ماليزيا في مسيرتها تحديات كبرى أبرزها الأزمة المالية عام 1997م نتيجة المضاربة بالرينجيت الماليزي. بالإضافة لذلك برزت مشاكل الاعتماد الكبير على استيراد المكونات الإلكترونية من الخارج وعدم كفاية اليد العاملة الوطنية الماليزية مقارنة بالتوسع الاقتصادي ودخول يد عاملة أجنبية غير مؤهلة للسوق المحلي.
وبشكل عام فعند الحديث عن تجربة النهضة تشترك ماليزيا مع المملكة في عدة عوامل مهمة هي:
الدور القيادي المهم للحكومة في التنمية الاقتصادية والصناعية.
دور شركة أرامكو وشركة بيرناس في التنمية الاقتصادية الوطنية للبلدين.
الموازنة بين الحفاظ على القيم والثقافة المحلية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعند الحديث عن الشراكة السعودية الماليزية¡ فقد طرحت مرة سؤالاً على د. مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق عن أفضل السبل لتعزيز الشراكة فأجاب قائلا: "أفضل طريقة لتعزيز الشراكة هي الاستثمار! الكثير من الاستثمارات الخليجية للأسف متركزة على أميركا وأوروبا بينما لو تم توجيه جزء منها لآسيا وماليزيا فستتغير الصورة الحالية تماما".
وفي هذا الصدد¡ فيمكن القول بأن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلى ماليزيا وإندونيسيا وبروناي ستكون حجر الأساس لصناعة مستقبل شراكة استراتيجية متعددة المستويات مع الدول الإسلامية في شرق آسيا خاصة مع تعزيز الاستثمارات السعودية في تلك الدول ودعم المشاريع المشتركة وتفعيل النواحي التعليمية والعلمية والثقافية الإعلامية.
وبالنسبة لماليزيا فلن تجد شريكاً موثوقاً كالمملكة بقيادتها الرشيدة وثقلها السياسي والاقتصادي والديني والثقافي¡ فالمملكة تتعامل على أساس الأخوة والشراكة والمصلحة المشتركة والمصداقية ولا تتعامل من منظور براجماتي أو ربحي بحت كما قد تصنع دول أخرى في علاقاتها الدولية.




إضغط هنا لقراءة المزيد...