أذكر أن وزارة الثقافة والإعلام كانت تسعى وتعمل للسيطرة على الأمور الثقافية التابعة لوزارة التعليم العالي..! إذ ترى أن هذا الجانب هو من صميم عملها ويجب أن لا يتولاه غيرها.! وقد طال الجدل بينها وبين وزارة التعليم العالي فشكلت لجنة لدراسة هذا الموضوع من: وزارة الثقافة والإعلام¡ ووزارة الخارجية¡ ومدير معهد الإدارة¡ وكان الاجتماع في معهد الإدارة وأذكر أن مندوب وزارة الثقافة والإعلام هو الدكتور أبو بكر با قادر¡ وممثل وزارة الخارجية هو الأمير خالد بن سعود¡ وكنت ممثل وزارة التعليم العالي¡ ودار النقاش وكان الدكتور با قادر متحمساً¡ ويحمل أوراقاً وأضابير يثبت فيها أحقية وزارته بهذا الأمر وأنه ليس من الصواب¡ ولا من العدل النظامي أن تقوم وزارة التعليم العالي بهذا الدور¡ بل وحتى المسمى يجب أن يغيّر فتسمى المكاتب الثقافية¡ مكاتب تعليمية لأن مهمتها التعليم وليست الثقافة!! وكنت أستمع صامتا¡ ولم أعلق على حديثه فالتفت إليّ مدير معهد الإدارة وقال: أراك صامتاً¡ قلت: نعم أنا مع كل ما قاله أبو بكر..!! فاندهش الجميع¡ وقالوا: أتقول هذا!¿ قلت: نعم.. إذا كانت وزارة الثقافة والإعلام قادرة على ذلك فلتستلم المهمة¡ ثم تابعت المسألة ليست مسألة تنازع في العمل أو المغايرة في الوظيفة.. مشكلتنا أننا نتنافس دائماً على السلطة أكثر من اهتمامنا بالرسالة.. فالمسألة هي أداء واجب وطني بصرف النظر عن الجهة.. المهم النتيجة والتأثير فالمكاتب الثقافية في الخارج هي مراكز مؤسسة تأسيساً جيداً ومكتملة الخدمات¡ وبها موظفون أكاديميون متمرسون في العمل الأكاديمي والإعلامي معاً... وفوق ذلك كله وهو الأهم في المسألة هو أن المكاتب الثقافية تشرف على ما يزيد على مئة وعشرين ألف مبتعث آنذاك.. وهؤلاء موزعون على أنحاء العالم¡ ومن ثم يجب أن يكونوا سفراء¡ بل وسائل إعلامية مهمة جداً إذ أحسن استغلال تواجدهم وقدراتهم وجهودهم خاصة من خلال أنشطة أندية الطلبة إذا فعلت هذه الأندية تفعيلاً إعلامياً صادقاً وصحيحاً... وقلت للمجتمعين إن المبتعثين في بريطانيا مثلاً أقاموا ثلاثين نشاطاً ثقافياً في سنة واحدة في ثلاثين جامعة بريطانية¡ وفي مقار المحافظات البريطانية.. فكانت تقام هذه الأنشطة لمدة يومين تعرض فيها أهم الإنجازات الوطنية ويحضرها النخب من مديري الجامعات¡ وطلبة الدراسات العليا¡ ومديرو المراكز الثقافية بل ومحافظو المقاطعة¡ وأذكر أن رئيس الأندية قدّم تقريراً يفيد أن عدد الحضور في تلك الفعاليات تجاوز الخمس مئة ألف زائرº.. وكانت ميزانية النشاط الواحد لا تكلف أكثر من أربعة آلاف جنيه لأن المقار والقاعات تقدمها الجامعات مجاناً.. واقترحت على وزارة الثقافة والإعلام أن تتساعد مع المكاتب الثقافية¡ وبإمكانها أن تبعث موظفين من قبلها ليعملوا في المكاتب الثقافية ويتولّوا هذه الأنشطة¡ في مواجهة التشويه الذي يمارس ضد المملكة وكذلك المد الثقافي الإيراني في بريطانيا بل في العالم كله.
فلقد كانت ثقافتنا تحبو وتخبو وثقافة إيران تترفع وتعلو.. أذكر أن في بريطانيا وحدها عشرين مؤسسة ثقافية إيرانية ما بين مركز ثقافي أو جمعية… بل وصل الحد إلى أن أقسام الدراسات الشرقية العربية والإسلامية في الجامعات البريطانية تحولت أسماؤها إلى اسم: الدراسات الفارسية كجامعة SOAS بلندن نموذجاً.. ولقد كنا نبني المساجد وتظل فترة ثم يستولي عليها الإيرانيون وتصبح تحت هيمنتهم.! وذلك بسبب تخاذلنا المهني والإعلامي¡ وعدم إدراكنا للرسالة الثقافية¡ وما تلعبه من دور في ذهنيات الشعوب.. أذكر هذا الموضوع بعد اجتماعنا في مجلس الشورى (لجنة الثقافة والإعلام) منذ أيام مع مسؤولي وزارة الثقافة والإعلام¡ حيث تحدثنا طويلاً عن ثقافاتنا¡ وإعلامنا في المرحلة الراهنة¡ والذي يجب أن يكون فاعلاً ومؤثراً¡ وأنه لا بد من تظافر الجهود لبناء منهج ثقافي إعلامي¡ مهمته إيضاح دورنا الثقافي والإنساني بجلاء¡ بعيداً عن فكرة التنازع في العمل¡ فالغايات أسمى من الوسائل.. ومن ثم فإن كل الجهات ذات العلاقة يمكن أن تلعب هذا الدور الوطني وبالذات وزارتي التعليم ووزارة الثقافة والإعلام.




إضغط هنا لقراءة المزيد...