صحيح أن الشباب يتابع في الإعلام المرئي والمسموع ما يحلو له¡ أو قل ما يتفق مع نزوات العصر المتسارعة.
بين تلك الأشياء ظاهرة الانتشار الكبيرلقصائد الشعر الشعبي.. وبالأخص الرومانسي منها. كتاب القصائد المغناة دخلوا الساحة من اتجاهات كثيرة. من الباب التراثي الخشبي جاء شاعر¡ وجاء آخر من باب المنيوم وزجاج ملوّن¡ وجاء بمعشوق الكلم¡ وصرنا لا نقرأ فقط عبارات العصر الحديث بل نسمعها ونراها في الصورة.
إدخال الكلمات العصرية والعبارات الجديدة في الشعر النبطي لا أراه مصداقا لولعنا بالشعر الشعبي¡ وسميتهُ ذات مرة نشازا¡ فلم ترق الكلمة للبعض.
مثلا: قصيدة نبطية مهما كان غرضها الشعري¡ تدخل فيها مفردة "الظروف" أو "الترقّبات" أو.. مطلب حياتي توحي أن قائل القصيدة ذو صلة بنشرات المصارف¡ وبيوت المال والأسهم والبورصات العالمية..!
وإذا جاءت عبارة " الشروط المقيدة " في قصيدة¡ فهي توحي أن الشاعر مقاول تنفيذ أعمال مدنية من الباطن¡ أو متعهّد ترميمات.
مثل تلك الكلمات والعبارات -وإن جاءت من الأعماق- توحي بضآلة وهبوط القريحة الشعرية لدى القائل.
الشعر الشعبي في بلدنا كان عطاء مميزا عبر تاريخه¡ وهو وإن لم يخضع لنظريات التطور إلا أن كلمات الشاعر القديم هي الصدى الجمالي لهذا النوع من الفنون.
القاضي¡ ابن شريم¡ ابن لعبون العوني¡ ابن دويرج شعراء شعبيون تسميةً ولقباً ومعنى وخلوداً.
الاختلافات اللغوية أو عصرنة الموروث بزجّ مفردات حديثة¡ أو استحداث ألفاظ جزافية¡ لا تجعل من القائل شاعراً يُروى عنه في الندوات أو مقارنات الجودة.
وانطلاقا من التسليم بظاهرة التشبّث بمسمى "الشاعر الغنائي"¡ وعدم حقنا كمستمعين في تشديد الخناق على الإبداعات الشبابية¡ فإننا نرجو منهم عدم الاهتمام بنشر دواوينهم وتوزيعها بيعاً أو هدايا. ولا نرى من ضرورات خلع لقب شاعر على رجل أو امرأة أن يملأ أرفف الأسواق المركزية بكتب شعر (لك عليها).
الشعراء الذين ذكرتُ أسماؤهم¡ لم يتمتعوا بالبريق لأنهم أصلا لم يطلبوه. ولا بالاحتفالية التي نراها اليوم¡ بل قيل إن بعضهم كان ينام دون عشاء.
فهذا ابن دويرج وهو يصف حالته وقد دقّ بابه سائل¡ قال:
أنا مالوم درويشٍ يطقّ الباب عقله يوخ
وهو لا تاهم انهْ يوم طقّ الباب محتاجِ
أنا ويّاك عريانٍ شكى حاله على مصلوخ
ولا ينلام درويشٍ فجاه من الدهر فاجي




إضغط هنا لقراءة المزيد...