تتفاوت اهتمامات الناس حول الروايات المصرية القديمة والتي تُعرض الآن في بعض الفضائيات تحت اسم (كلاسيك). تلك عادة تُجسّد مرحلة الأربعينات الميلادية.
ولأن مخرجي الأفلام ومنتجيها ظهروا كأقوى المؤرخين نفوذا¡ فقد يجوز القول إنهم أقل الناس دقة. والصعب أن جيلنا الجديد تنطبع لديهم الوقائع في تلك الأفلام على أنها حقيقة تاريخية¡ أو أنها هي التاريخ.
في مصر والعراق والشام إبان الأربعينات وأوائل الخمسينات الميلادية نشأت كيانات اجتماعية عاشت واقعا اجتماعيا أفضل. ففي مصر مجتمع الباشوات التى تمتّعت بحظوة مالية واجتماعية وربما نفوذ سياسي. تلك الأفلام صوّرت حياتهم و"قفطان" الحاجب¡ ولباس الخدم¡ وسلالم القصور تنزل مباشرة إلى بهو يؤمّه المحتفلون مرة أو مرتين في الشهر.
شاهدتُ مرة صورة للملك فيصل الثاني آخر ملوك العراق وهو يجلس مع ضيوف في حديقة القصر وعلى طاولة الشاي التي سُنّ فوقها غطاء مطرز بنوع خاص من الرسومات¡ وأمام كل ضيف أكواب الشاي (ليس استكانات) مع مناديل أو محارم صغيرة تنتمي نقوشها إلى نمط إنجليزي نموذجي.
ما جرى تحقيقه في ذلك الزمن للطبقة الوسطى فما فوق كان واقعا معيشيا أخذه التاريخ بجدية¡ لكن المعادلة يجب أن لا تؤخذ منحى كون التحوّل إلى الأسوأ جاء بسبب القيادات السياسية التي استلمت الحكم لاحقا¡ قد يكون ذاك جزءا من السبب وليس السبب ذاته.
أعتقد أن كل شيء مقدّر ومحسوب في فلسفة الدهر. فبريطانيا مثلاً¡ والتي عشق العالم جزءا كبيرا من نمط حياة أهلها في الأربعينيات¡ لم تمرّ بفترات تحولات عنيفة أو قيادات انقلابية¡ ومع ذلك لا يجد المرء صوررة الـ(هاوس كيبَرْ) أي مديرة المنزل¡ أو الصورة المهيبة للـ(بتْلَرْ) المسؤول الأول عن رغبات وملابس صاحب القصر¡ مع أن المفروض أن واقعهم يجب أن يكون سائرا وفي تقدم مطّرد¡ لا أن تسوق أعاصير الضرائب أفراد الطبقة الغنية إلى المحاكم¡ والمزادات العلنية لتتخلص تلك الطبقة عن بيوتها الأسطورية.
لم يكن كل التدهور الذي أصاب الحياة التي صورتها المسلسلات المصرية بسبب انعكاسات التقلبات السياسية.
فروايات ديكنز وموم وحتى جراهام جرين وكريستي وكونان دويل كلها تعزف لحن الـ"بتْلَرْ" و"الهاوس كيبر".
أقول إن التاريخ الذي تقدمه لنا السينما حاليا هو مزيج عكر من الأوهام¡ وعلينا أن لا نبكي على الماضي الجيّد¡ أو ما يُسمونه بإنجلترا (جود أولد ديْز) Good Old Days




إضغط هنا لقراءة المزيد...