ذكرت في المقالة السابقة تعليق الفيلسوف الفرنسي دريدا عن المؤسسات عندما زار مصر مطالبا بتفكيكها¡ وكان السؤال الذي يتبادر إلى الذهن¡ ما علاقة فيلسوف التفكيكية بالإدارة¿ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من فهم التفكيك أولا¡ ثم إعادة فهم الإدارة من منظور جديد¡ على اعتبار أن مفهوم الإدارة شائع ومستقر في أذهان الكثير. وفهم التفكيكية التي جاء بها دريدا مسألة شاقة لشيوع الاختلاف في فهمها نظرا لغموض كتابات دريدا نفسه. بل لعل تعليق دريدا حول المؤسسات جزء من محاولته في تعميق الخلاف بتطبيق مفهوم التفكيكية في مجال جديد غير تقليدي بعيدا عن مجال الفلسفة المعتاد.
يقوم مفهوم التفكيك على العمل على مراجعة المسلمات التي تتضمنها الأفكار وإعادة بناء العلاقات فيما بينها. ومن ذلك دراسة الأضداد والمفاضلات بينها مثل الكتابة والخطابة¡ العقل والعاطفة. وللوصول إلى تحليل هذه العلاقات كان دريدا يتوسل بتحليل النصوص الفلسفية لإيجاد هذه العلاقات ونقدها. فإذا كان بالإمكان تفكيك العلاقات التي تربط بين المفاهيم المعبر عنها باللغة ألا يمكن فعل الأمر نفسه بتفكيك العلاقات التي تربط بين المفاهيم المؤسسية بالقدر نفسه¿ ففي اللغة مثلا¡ إذا ذكر مفهوم العقل فإن مفهوم العاطفة يصبح مطروحا¡ فهل العلاقة بين العقل والعاطفة ضدية أم تكاملية¿ أما في المؤسسة مثلا¡ هل العلاقة بين زيادة الأرباح والمسؤولية الاجتماعية ضدية أم تكاملية¿ هل زيادة الإنفاق على المشروعات الخيرية يتناقض مع هدف المؤسسة في زيادة أرباحها¿
وإن كان من الممكن تصور استخدام مفهوم التفكيكية لمعالجة تحديات الإدارة إلا إنها مثل استخدام القوة المفرطة لعلاج مشكلة بسيطة. ولذلك أمثلة كثيرة في كافة العلوم¡ ففي الفيزياء يمكن قياس دوران الأرض حول الشمس بمنهجيتين¡ أحدهما أكثر دقة من الأخرى إلا أنها أصعب. لذلك تشيع الطريقة الأسهل وإن كانت أقل دقة. فكثير من المشكلات المعاصرة تقع بين بعدين لا بد لمتخذ القرار أن يراعيهما¡ وهما سرعة التطبيق قياسا إلى الحاجة¡ ودقة التنفيذ قياسا إلى الفاعلية. ففي كثير من الأحيان تحقق الدقة بأعلى درجات الفاعلية بعد فوات الحاجة نتيجة لبطء التطبيق. وربما تتهم البيروقراطية بتأخير اتخاذ القرار عن الحاجة¡ ويكون الإفراط في مراعاة الدقة الأجدر بالاتهام. وربما كانت التفكيكية حسب مفهوم دريدا مطبقة على نطاق واسع دون استخدام المصطلح فتكون وراء كثير من القرارات المعطلة. وقد تكون المؤسسات بحاجة إلى التفكيك بالمفهوم الإداري وليس الفلسفي بين فترة وأخرى لتحريك الماء الراكد وضخ الدماء الجديدة.




إضغط هنا لقراءة المزيد...