التعاون بين المسلمين ينبغي ألا يقطعه انتماء مذهبي¡ ولا تعصب فقهي¡ ولا كيد سياسي¡ تعاون يشمل الجميع ويعترف لكل أحد بدوره الموكل به¡ فكل مسلم عليه جزء من مسؤولية البناء¡ ولا سبيل للآخرين إلا بالاعتراف به وقبول مجهوده..
إن الناظر في الكون يرى دقة الترابط بين مخلوقاته¡ فكل جزء من ذرات الكون لا يستطيع الانفراد في بقائه¡ وتعوزه الضرورة والحاجة لغيره¡ فتلك النجوم التي زين الله بها السماء¡ مع تفرد كل نجم وكوكب بخواصه¡ إلا أنه يشكل مع غيره لوحة جمالية عُرفت بمسماها¡ وتشكلت في روعتها دلالةُ (ولقد زينا) وظهرت في مجموعها إرشادية (وبالنجم هم يهتدون). ولولا اجتماع النجوم ما كانت "الثريا" ولا غيرها!
وبالنظر في أعماق البحار¡ نجد للحياة الجماعية دورها الأكبر في استمرار الكائنات فيه وتكاثرها¡ فكم نرى من لوحات جمالية ترسمها آلاف الأسماك في أسراب تناسقية¡ بترتيب متقن¡ بينما مَن تفرد منها لا يرى له أثر ظاهر في سيره¡ ولا يقتصر ذلك على البحر¡ فالبر مليء بالأمم النشطة التي اعتمدت حياتها وبقاؤها على الاشتراك في بناء مجتمعاتها¡ وكلٌّ يقوم بدوره المنوط به كما طلب منه¡ فمجتمع النمل الذي لا يتفكر فيه إلا قلةº حياته وبقاؤه مرتبط بالأداء المشترك لمتطلبات العيش¡ وفي النحل أيضًا آيات باهرات¡ تعطينا صورة مصغرة لأهمية العمل المشترك بين المخلوقات.
وبالنظر إلى المخلوق المميز من الله تفضيلًا¡ والأحسن هيئة ومرتبة وعقلاً¡ نجد أن الله جعل "واو الجماعة" في أغلب خطاب القرآن للناس¡ في حياتهم ودينهم¡ بدءًا من قوله (وتعاونوا) وقوله (واعتصموا) وغيرها كثير¡ تدرجًا إلى كثير من الفرائض¡ التي أعطت لها الصورة الجماعية ميزة مصاحبة لليسر في الأداء¡ ومبرزة لتكامل العمل ونجاحه¡ ففي الصلاة وهي أفضل الأعمال¡ لم تُغفل "واو الجماعة" (وأقيموا) وقوله: (فاسعوا).
وفي الزكاة أيضًا (وآتوا الزكاة)¡ وما هو أعم من الزكاة (ينفقون)¡ وفي الحج حضرت "واو الجماعة" لفظًا وتطبيقًا (يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر) وفي الصيام (كتب عليكم) لتحصيل ثمرة مشتركة من شأنها حفظ الحقوق بين العباد (لعلكم تتقون)!
وليس هذا في أعمال الآخرة فحسب بل حتى في أمور الدنيا¡ (فانتشروا) (وكلوا من رزقه)¡ (وابتغوا عند الله الرزق).
فالاشتراك في كل شيء يوجب يسره وخفته على النفس¡ ويزيل ثقله وعسره¡ حتى في تحمل أعباء الحياة وكدها ولأوائها نجد الأمر بالاشتراك حاضرًا (اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم) فتحمل جزء من غم أخيك المسلم يعد اشتراكًا في تخفيف مصيبته¡ ومن لم يجد من يواسيه ويشاركه في حزنه¡ سيجد همه وحزنه أكبر من قدرته على تحمله¡ وقد عبرت عن ذلك الخنساء حين نزلت بها مصيبتها¡ وتنفست الصعداء لاشتراك الناس فيها¡ فخففت عنها شيئًا من ثقلها تقول:
وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي
عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي
وقد نفى الله نفع هذا الاشتراك عن أهل النار¡ فهو سبيل لتخفيف آلام وقع المصائب¡ وثقل كد الدنيا وهذا منفي في الآخرة¡ فكل أحد مشغول بما هو فيه من ألم¡ فقطع الله هذا الأمل عن المشتركين في رد الحق والمجتمعين على مواجهته وصده¡ فقال: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون).
وهذا يعطينا لفتة إلى ضرورة الاشتراك والاجتماع والتعاون في فعل الخير¡ فإن هذا الاشتراك¡ يزيل عناء وعسرة أي عمل ويهونه¡ ويظهر أثره وبركته ونفعه¡ ويعظم نجاحه وتكامله¡ فحاجتنا إلى التعاون¡ مرتبطة بأصل إنسانيتنا وليس فقط لأننا مسلمون¡ فالتعاون بين المسلمين ينبغي ألا يقطعه انتماء مذهبي¡ ولا تعصب فقهي¡ ولا كيد سياسي¡ تعاون يشمل الجميع ويعترف لكل أحد بدوره الموكل به¡ فكل مسلم عليه جزء من مسؤولية البناء¡ ولا سبيل للآخرين إلا بالاعتراف به وقبول مجهوده. هذا¡ والله من وراء القصد.




إضغط هنا لقراءة المزيد...