لا شك أن اللقاء الأخير مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد مع الأستاذ داود الشريان كان لقاءً واضحاً وصريحاً ومتميزاً بل وجريئاً في كل جوانبه ومناحيه.. ولا شك أنه أراح أنفساَ كثيرة من المواطنين¡ غير أني هنا سوف أتحدث عن عنصر واحد مما أشار إليه سموه¡ ألا وهو محاربة الفساد فقد كان حازماً وصارماً إلى درجة أنه أشعرنا بأن حرباً لا هوادة فيها ستشن على الفساد والمفسدين… فلا كبير¡ ولا صغير¡ ولا أمير أو وزير فكلهم أمام العدل¡ والإنصاف سواء..
وكنت كتبت كثيراً في هذه الجريدة الموقرة عن الفساد ودوره في خراب المجتمع كما أشرت الى ضرورة العفة والزجر عن نهب ثروات الوطن وقلت إنه كثيراً ما يتحدث الناس عن العفة¡ والعفاف¡ ودائماً يذهب هذا الحديث إلى العفة الجسدية¡ وعدم ارتكاب المحرمات والموبقات.. غير أن العفاف¡ أو العفة لا يقف عند هذا الحد فقط¡ فعفة اليد¡ وعفة الضمير هما مثل عفة الجسد.. بل ربما أنهما في بعض الأمور أهم.. فعفة اليد¡ وعفة الضمير أو عدم عفتهما¡ لا يعود نفعهما أو ضررهما على الفرد نفسه فحسب.. بل ربما نفع أو ضر غيره¡ فالذي يعف عن المال العام¡ ويحافظ عليه¡ ويصونه من العبث¡ والسرقة واللصوصية¡ إنما يحافظ على أموال الأمة ومقدراتها¡ وأموال الناس¡ وأرزاقهم.. والذي يستحله¡ ويعبث به¡ وينهبه.. فإن ضرره وأذاه هنا فادح وخطير.. فهو يستحل قوت أبناء الأمة¡ ومصالحهم وأرزاقهم..
والعفة أمرها صعب¡ وشأنها بالغ الأهمية عظيم الخطر.. ولم أسمع شيئاً جميلاً عن العفة كذلك الحوار النفسي بين رغبات النفس وأهوائها¡ وقوة سلطان العفة في قول أبي فراس الحمداني:
فَيَا عفّتي مَالي ومَالكِ كلمّا
هممتُ بأمرٍ همّ لي منك زاجرُ..
الله.. الله.. إنها حكاية صراع وتحدٍ.. فالرجل يتحدث عن معاناة نفسية هائلة¡ بين رغباته الجسدية ومطامعه النفعية التي تأمره بارتكابها.. ونزعات الهوى - والنفس الامّارة بالسوء¡ وبين هذه العفة المتجسدة كشيء نفيس عظيم يأبى الدناءة والخسة والهوان.. فالعفة هنا تزجر رغبات النفس¡ وتكبحها وتردعها بعنف.. وما ذاك إلا بسيف عظمتها وعظمة صاحبها¡ الذي تكبح مروءته¡ وشهامته¡ وفروسيته وشموخه من أن يقع فيها.. أو أن يصبح صيداً تفترسه بأنيابها..
والعفاف الحق هو أن تكون عفاً¡ وأنت تحت سلطان القدرةº حيث يكون نازع الرغبة لديك قوياً وعنيفاً¡ أما إذا كان ذلك نتيجة قلة الحيلة¡ فهنا لا عفة و لا نزاهه وإنما هو العجز والضعف وعدم القدرة على ممارسة الخطيئة.. وهنا يعتبر العفاف غياً وعجزاً كما قال الشاعر:
عَفَافُكَ غيّ إنمّا عفةُ الفَتَى..
متَى عفّ عن لذاتّه وهو قادرُ
نعم العفة أن تعف وأنت قادر..
فأين هذا العفاف من بعض ضعاف النفوس الذين يختلسون¡ وينهبون¡ ويمارسون أنواع الحيل وأشكال المهارة في السطو على المال العام¡ وعلى مقدرات الأمة¡ و يطلقون خيلهم الجامحة في مضمار الفساد مستغلين سلطتهم و نفوذهم مع أنهم يتزيون بزي النقاة¡ الزاهدين المخلصين.. بل ربما جعلوا من الدين دريئة للاختتال والكيد¡ فتجدهم في الصفوف الأولى عند النهب والاختلاس!! وهم بذلك يراؤون الناس¡ ولا يراعون حق الله في الوطن¡ أو يخافون سطوته وعقابه¡ وما تدينهم ذاك إلا غش ونفاق¡ وما صلاتهم تلك إلا ضلالة وكيد وقديماً قيل:
إذا رامَ كيداً بالصلاة مقيمها
فتاركها ظلماً إلى الله أقربُ
فيا من نهبتم واختلستم ونمتم قريري الأعين¡ اعلموا أن ما أكلتموه¡ إنما هو نار في بطونكم¡ وهو عار في تاريخكم¡ وسحت في بطون أولادكم¡ ومهما أثريتم ومهما أتخمتم فاعلموا أن ذلك سيظل حسرة في نفوسكم¡ ووبالاً عليكم وعلى أولادكم¡ طال الزمان أو قصر..
أما اليوم فقد جرد السيف لضرب أعناق الفساد ورقاب كل المفسدين.. ولسوف يرون فوق ما يسمعون..




إضغط هنا لقراءة المزيد...