عندما تتناهى إلى مسامع الإنسان عبارة "العلم والدين" (أو العلم والإيمان) سرعان ما يذهب ذهنه إلى الظواهر الطبيعية والبيولوجية¡ التي تدلل على وجود الخالق وعظمته¡ جل وعلا.
وعلى مستوى أتباع كافة الديانات السماوية¡ هناك اهتمام تقليدي بالتأكيد على العلاقة بين عظمة الخالق وعظمة الخصائص التكوينية للمخلوقات الحيوية والطبيعية.
وكلما تقدم العلم زاد إدراك الناس بعظمة خالقهم سبحانه وتعالى. وهذه قضية باتت محسومة لدى أمم الأرض المختلفة.
اليوم¡ تغير العصر وتغيرت معه طبيعة التحديات واتجاهاتها.
قبل أربعة عقود من الآن¡ كانت وظيفة ربط العلم بالايمان تتمثل في مواجهة المد الإلحادي¡ الذي سعى لتشكيك الناس في خالقهم¡ عز وجل¡ ووصم الدين بأنه أفيون الشعوب.
في الشرق الأوسط¡ تصدت الطليعة المؤمنة لهذا المد الجارف¡ عبر عدد كبير من المؤلفات والأبحاث¡ التي تدلل على صلة المخلوق بالخالق¡ من خلال العلوم والنظم البيولوجية والفيزيائية¡ بل وحتى الرياضية.
كان التيار الإلحادي يمتلك قدرات مادية وتنظيمية هائلة¡ لكنه ظل واهناً في عقيدته¡ التي لا تصمد أمام العقل.
في المقابل¡ كانت الطليعة المؤمنة¡ في عموم الشرق¡ محدودة القدرات والإمكانات¡ رغم قوة منطقها ومتانة حجتها. ولذا¡ كانت المهمة أمامها صعبة وشاقة¡ استوجبت قدراً كبيراً من التضحية ونكران الذات.
لقد شهدت عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين¡ وبدرجة أقل العقد الثامن منه¡ كماً كبيراً من الاصدارات العلمية¡ والمعرفية العامة¡ التي استهدفت مواجهة المد الإلحادي ومقولاته المضللة.
وفي الجوار¡ وتحديداً شبه القارة الهندية¡ برز أيضاً عدد من كبار المفكرين الإسلاميين¡ الذين حملوا على عاتقهم مهمة التصدي للمد الإلحادي¡ إلا أن هؤلاء كتبوا بالإنجليزية¡ وواجه انتشار كتبهم في المنطقة ضغوطاً ذاتية وموضوعية¡ من بينها ارتفاع سعر الكتب الانجليزية في ذلك الوقت.
في ذلك الحين أيضاً¡ كانت العديد من الدوريات العلمية في الغرب تنشر أبحاثاً تفند مقولات الماركسية اللينينية¡ على المستويات الاجتماعية والاقتصادية¡ وكان وصول هذه الأبحاث إلى المنطقة ينطوي على أهمية جوهرية بالغة.
لم تكن الدوريات ذاتها ما يعني الغالبية من الناس في الشرق الأوسط¡ بل ما تحويه من أبحاث ذات صلة بمواجهة المد الإلحادي.
لقد كانت مهمة القوى الطليعية تتمثل في إثبات الذات: إثبات إننا أمة مؤمنة بالله وملائكته ورسله¡ وبالجنة والنار والمعاد¡ وذلك في مواجهة مد الحادي¡ على قدر متعاظم من القوة والنفوذ.
اليوم¡ تغيرت المعطيات برمتها¡ وبات على القوى الطليعية تأكيد علاقة الدين العضوية¡ التي لا يرقى إليها الشك¡ بقيم العصر المشتركة بين بني البشر¡ مثل الحرية والمساواة.
هذه القضية ذات مغزى جوهري¡ ودلالة بالغة¡ في حسابات اليوم. وعدم التصدي العلمي والممنهج لها يعني افساح الطريق أمام الاسلامفوبيا¡ المستندة إلى التأويل¡ والمسيسة في كثير من الأحيان.
هناك حاجة بالغة لتقديم إجابات بينة وقاطعة حول القضايا الكبرى التي تشغل البشرية اليوم. وهذه مهمة ليست سهلة بطبيعة الحال¡ لكنها ممكنة تماماً. وقد باتت سبل الدعوة في ظل الثورة الرقمية متاحة ومتعاظمة¡ ولا مجال للمقارنة بينها وبين الأمس.
على القوى الطليعة المتنورة أن تؤكد حضورها في ميدان العلم والمعرفة¡ والدعوة إلى الله¡ بمنطق العصر وروحه وأدواته¡ وتلحظ فلسفته الكونية المعترفة بالآخر وخياراته الثقافية وتمايزه الاجتماعي¡ لتكون بذلك بديلاً عن الجماعات الظلامية الهشة¡ الجاهلة بالدين¡ التي شوهت رسالته الإنسانية¡ وحرفت مقاصده السامية وروحه السمحة¡ وساهمت¡ على نحو كبير وخطير¡ في شرذمة الأمة والاطاحة بسلم أولوياتها.




إضغط هنا لقراءة المزيد...