«الرواية في الوقت الراهن كما أراها هي عمل يحتوي على النشاط الروحي المتشابك في تكامل تام في الشرائح الإبداعية من الدراما التي تتعايش مع الحياة الماثلة»
(أرنستو سباتو)

***
جاءت جائزة البوكر في نسختها العربية في الوقت الذي نفضت الرواية المحلية عنها حالة الرهبة والتردد ودخلت في الساحة العربية الكبرى بألوان عديدة¡ وكان نصيب الكتَّاب في دول الخليج العربي والمغرب وافراً حيث تماثلَ مع ما هو كائن في بعض الدول العربية التي سبقت وكان حظها مشهوداً في إصدار الروايات مثل مصر ولبنان¡ وبظهور الروايات العربية في معظم الدول العربية إن لم نقل كلها في الفترة الأخيرة التي لا تتجاوز العقدين من الزمن¡ برز ما سماه بعض النقاد (زمن الرواية) الذي قُصد منه التَّوجه الذي صاحب الكثير من الكاتبين لممارسة كتابة الرواية¡ حتى من كان يعرف عنهم أنهم من المفكرين الاجتماعيين والسياسيين¡ وما يندرج في محيط الفلسفة بمختلف فروعها.
من محاسن الجائزة أنها بما تحمله من إغراءات مادية ومعنوية جذبت الروائيين العريق منهم والمستجد إلى أن يعملوا مجتهدين في تأليف الروايات التي يأمل منتجوها أن تصل إلى مخطط البوكر الواسع¡ من القائمة الكبرى إلى الصغرى مروراً بالحصيلة التي تمثل كافة المشاركين¡ من دور النشر والكاتبين المعنيين بالرواية¡ فالشهرة التي تجلبها البوكر بنسختها العربية هي ما هي عليه في نسختها الأصلية¡ لكون من يتسنم قمتها سيكون نصيبه الترجمة إلى لغات أخرى عالمية¡ ويكون الكاتب مطلاً بعمله على عوالم مختلفة¡ وهذا هو هدف الكاتب الحقيقي الذي يريد أن يساهم ويشارك الكيانات الأخرى¡ وفي ما يكون من كسْب مادي يساند ويساعد على نقل المبدع من حال إلى حال أخرى¡ وليس في ذلك ما يعيب¡ لأن الإنسان بطبعه يميل إلى الكسب المادي والمعنوي مهما كان موقعه¡ ومهما كانت حالته.
الشاهد في الساحة الثقافية العربية أن معارض الكتاب التي تتنقل في العام من بلد إلى بلد آخر¡ وربما تتوافق في وقت واحد¡ أو يفرق يوم وربما تتداخل أيام بعضها¡ أن الروايات هي التي تحتل منصات التوقيع الأكثر¡ وتحتل واجهات العرض في أجنحة البيع¡ وتجذب أكثر الزوّار¡ وهذا يعني أن شهوة القراءة لدى القارئين في تقدم مستمر ومواكب¡ فشهرة الروايات لم تأتِ إلاّ بعد الطباعة في كتب¡ فبعض هذه الروايات كانت منشورة في مواقع التواصل ويمكن تحميلها من المواقع المخصصة سواء الفردية أو الجماعية¡ وجرت حولها تعليقات ومناقشات¡ ولكن البروز كان بعد الطبع على الورق وفي أشكال تتفنن دور النشر والطباعة في توفيرها¡ وفي هذا ما يشير إلى أن ما يشبه التكامل¡ أو بالأصح التكامل بين مواقع الاتصال الإلكترونية ودور النشر الورقية التي ساعدت فيها الأخيرة على وجود حالة التكامل¡ فالرواية ذات الصفحات العديدة تنتقل إلى الكتاب لتعيش كوثيقة إبداعية -أقصد الأعمال الجيدة- تستحق البقاء لما تحمله من معانٍ سامية وتطلعات إنسانية فيها ما يسر ويفيد¡ ويغذي الروح بالجماليات الواقعية والمتخيلة.
ما يبشر¡ أو ما يؤكد على الأصح¡ أن البوكر العربية منذ حَلَّت لم تخل في قائمتها القصيرة من رواية سعودية¡ وقد تحصل المبدعون السعوديون كما هو معروف على ثلاث من جوائزها الكبرى¡ عبده خال في (ترمي بشرر) رجاء عالم (طوق الحمام) محمد حسن علوان (موت صغير)¡ وهذا تميز لم يجيء عفواً¡ بل تأتي من جهود مارسها كل واحد/ واحدة ممن ذكرت¡ وسجل والروائي عزيز محمد اسمه بعمله (الحالة الحرجة للمدعو/ك) في القائمة القصيرة لهذا العام لتأكيد أن الرواية السعودية حاضرة بامتياز في محافل الإبداع¡ ولسان حال (الكاتب/ الكاتبة) يماثل ما صورته الروائية الفرنسية مارغريت دوراس حين قالت: «أنْ أَكْتُبْ¡ هذا هو الشيء الوحيد الذي عمر حياتي وفتنها¡ وقد فعلته¡ إذْ الكتابة لم تغادرني قَطْ»
ومعنى عدم المغادرة يمثل ويؤكد الحرص الشديد على الاستمرار في المطالعة واستزادة من المعارف المختلفة لكي يكون الوجود الفاعل المواكب.




http://www.alriyadh.com/1667469]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]