يعد موضوع الحكومة المتكاملة الذي طرحته هنا أحد أوجه التحول الحكومي الذي اعتمدته عدد من الدول في السنوات العشرة الأخيرة على الأقل. لكن ماذا بعد الحكومة المتكاملة في ظل التطورات المتسارعة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات¡ خصوصاً إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة¿ هل يمكن أن يتحول مفهوم الحوكمة أم تتغير أساليبها فقط¿
كان ذلك سؤالي الذي طرحته على د. ستانفورد التي شاركتني الشعور بصعوبته. تقول: يبدو لي من قبيل المستحيل معرفة التحولات التي يمكن أن تمر بها الحكومات. يوجد بعض المهتمين الذين أعطوا تصورات مستقبلية تستحق التأمل. لكن التحولات في التقنية على مستوى الأمن السيبراني والأتمتة والروبوت¡ والتغير المناخي¡ ونظم الرقابة والتحكم¡ أخلاقيات التقنية¡ التحولات في العلوم الحيوية ..إلخ - ناهيك عن التحولات الاجتماعية والثقافية والشخصية للسياسيين أنفسهم- كل ذلك يعني أن تصور التحولات المستقبلية لأكثر من سنتين أو ثلاثة هو حقيقة عديم الجدوى.
لكن لو أردنا أن نستكشف التحولات المستقبلية التي يبشر بها بعض مفكري التقنية اليوم لوجدنا عدداً من الأفكار الجديرة بالاهتمام. طرح ديفيد رونفيلت الباحث في شؤون التقنيات المستقبلية فكرة السيبروقراطية بديلاً عن الديموقراطية. السيبروقراطية¡ حسب رونفيلت¡ هي منهجية تعتمد على إدارة الحكم من خلال إدارة المعلومات. فمع ارتفاع القدرة على جمع المعلومات وتخزينها¡ أصبح بإمكان مؤسسات الدولة توظيفها في اتخاذ القرار. أي أن الحكومات تمتلك معلومات كافية عن مواطنيها وأحوالهم بحيث تتخذ قراراتها بما يتلاءم مع حاجاتهم. ففي مجالات الخدمات الطبية¡ يمكن توفير خدمة الإسعاف في مكان عام عند الحاجة دون تقديم بلاغ أو طلب لتوفر معلومات أي حادثة عند وقوعها من خلال مستشعرات ذكية أعدت لذلك. في إطار مشابه¡ طرح البروفيسور براين فورد فكرة الديموقراطية السائلة التي تسمح بمشاركة أكبر عدد من الناس في اتخاذ القرار. فباستخدام الذكاء الاصطناعي¡ يمكن توفير برنامج لكل شخص ينوب عنه في التمثيل السياسي. يكون التمثيل السياسي مبنياً على التوكيل باعتماد ممثل لديه صورة واضحة عن نوع القرارات التي عليه أن يتخذها نيابة عنه. ويرى فورد أن ذلك سيرفع من نسبة مشاركة الناس في اتخاذ القرار¡ حتى في الشؤون المحلية¡ مثل إدارة الحي. وقريب من ذلك ما طرحه الفيلسوف الأسترالي جون بيرنايم¡ الذي يقول: إن قدرة اتخاذ القرار مرتبطة بالقدرة على اختيار الفئات المناسبة لاتخاذه. ومع تطور تقنيات المعلومات يمكن انتخاب مجموعة من الناس عشوائياً لتولي التصويت على قرارات معينة بصفة مؤقتة ثم يستبدلون بآخرين لاحقاً.
ليس غريباً أن تساهم التقنيات الحديثة في تغيير منهجيات اتخاذ القرار. ومع أن نسبة ضئيلة من التوقعات المستقبلية تتحقق¡ إلا أن ما يجدر بنا إدراكه هو تسارع وتيرة التغيير وحاجة الناس إلى التأقلم مع مقتضياتها. ولعل ذلك يكون موضوعاً لمقال قادم إن شاء الله.




http://www.alriyadh.com/1673632]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]