في العام 1997 وقبل ولادة عصر الإعلام الجديد¡ أنتجت هوليوود فيلماً عميقاً حمل عنوان «مدينة مجنونة»¡ يتحدث الفيلم عن حارس متحف بسيط وساذج¡ يفقد وظيفته فيقرر استعادتها عبر احتجاز مجموعة من الرهائن داخل المتحف¡ ويصادف أن يكون من ضمنهم صحفي محنك¡ تمر أحداث الفيلم لتكشف للمشاهد أن هذه التراجيديا كان من الممكن أن تنتهي نهاية سهلة وآمنة للجميع¡ فالحارس يؤكد للرهائن بطيبة ولطف أنه لن يؤذي أحداً منهم مهما كانت النتائج¡ وأن الأمر لا يعدو أن يكون وسيلة للضغط على مديرته لإعادته لعمله¡ إلا أن دخول الإعلام على خط الواقعة والتنافس المسعور بين الإعلاميين لحياكة قصة مشوقة منها¡ وحيازة سبق صحفي من أبسط تفاصيلها وضع الكثير من الضغط النفسي على حارس المتحف وأدى إلى نهاية كارثية للقصة.
في العام 2014 تم إنتاج فيلم يناقش فكرة «جنون الإعلام» بطريقة مختلفة¡ إذ يحكي فيلم “Nightcrawler” أو «المتسلل ليلاً» قصة شاب يطمح للعمل في الصحافة¡ يواجه بالصد¡ فتقوده الصدفة للحصول على سبق صحفي عبر التقاطه فيديو عن حادث مروري¡ يبدأ نجمه في السطوع في عالم صحافة الجريمةº إذ إن سرعته وأساليبه الملتوية تجعله يسبق حتى الشرطة لمكان الحادث¡ ويحصل على صور وفيديوهات حصرية¡ يتزايد هوسه بعمله فيقوم بأعمال لا أخلاقية وغير إنسانية في سبيل الوصول إلى مجده الصحفي.
تذكرت هذين الفيلمين وأنا أشاهد مقطعاً لمذيع في إحدى الفضائيات¡ وبجواره شاب مشارك ببرنامج من برامج تلفزيون الواقع¡ يقوم المذيع بإخبار الشاب بوفاة والده على الهواء¡ فيدخل الشاب في حالة هستيرية بين البكاء وتكذيب الخبر¡ هذه اللقطة التي تجسد الانحطاط في المهنية هي بالضبط الرسالة التي تضمنها الفيلمان السابقان¡ وهي أن وسائل الإعلام والصحفيين أحياناً يصيبهم سعار البحث عن الخبر واهتمام المشاهد¡ إلى درجة تجعلهم يدوسون على أخلاقيات المهنة بل وعلى أبسط القيم الإنسانية.
المعطيات تقول إننا مقبلون على الأسوأ في مجال أخلاقيات المهنة¡ وإن كان هناك في عالم الصحافة التقليدية مواثيق شرف تحدد الواجبات الأخلاقية على العاملين فيها¡ فإن مثل هذه المواثيق غير موجودة في عالم الإعلام الجديد الذي يحفل بالفوضى والتلوث الإعلامي.
تصفح وسائل التواصل الاجتماعي وسترى أن جنون حصد أكبر عدد من المتابعين جعل الناس يقومون بأمور لا تصدق¡ ابتداء من مشاركة أكثر تفاصيلهم خصوصية مع الجميع¡ وانتهاء بانتهاك القيم الإنسانية والتعدي على الآخرين.
وللأسف أعتقد أن القادم أسوأ!




http://www.alriyadh.com/1673878]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]