حدث التغيير الأعظم في تاريخ البشرية حين أصيب كبرياؤها بالجروح النرجسية الثلاثة¡ مما جعلها أكثر تواضعاً ووعياً بحقيقتها.
فقد كان الإنسان يظن أن أرضه مركز للكون¡ متباهياً بحظوته تلك¡ إلى أن جاء (غاليليو) بأول الجروح¡ وذلك باكتشافه أن الإنسان مخطئ في اعتقاده¡ وأن أرضه ليست إلا مجرد كوكب يدور حول الشمس.
وأتى الجرح الثاني على يد (داروين) الذي أخبر الإنسان الذي أخذه الغرور إلى الاعتقاد أنه مخلوق سامٍ¡ أنه ليس إلا فرعاً من فروع الأسرة الحيوانية أو سليلاً من سلالاتها.
أما العالم النفسي (فرويد) الذي شخص الإصابة بتلك الجروح¡ فأصاب هو بدوره البشرية بجرحها الثالث¡ حينما بيّن أن الإنسان ليس سيد أفعاله إنما اللاوعي هو السيد¡ وملكة الوعي التي ظن أنها بحيازته بشكل كامل قد لا تكون سوى دمية خيط للاشعور أو اللاوعي.
فلابد لتلك الاهتزازات الثلاثة من وقع وتأثير على الدوافع والكوامن والثقافات الممتزجة بغرائز الحياة والموت عند الإنسان¡ فبتصوري أن الثقافات الثلاث التي تتحكم في سلوكيات المجتمعات¡ والتي تحدثت عن اثنتين منها في المقالين السابقين هي إحدى النتائج المتولدة من شجَّ الكبرياء البشري.
أما الثقافة الثالثة فهي ثقافة (الخوف) وقد تولدت من الغرور والتناقض البشري¡ فالإنسان يأبى أن يقر ويعترف بضعفه ومحدودية سيطرته على القدر والمصير¡ فمن خوفه لفقدان السيطرة ابتدع معتقدات¡ وآمن بخرفات¡ وجعل لها قوى خارقة وقدرات استثنائية لا يمتلكها هو¡ ولكن باستطاعته استمالتها وتطويعها لخدمته¡ عبر إحياء طقوس معينة وبالتعاويذ والتمائم.
تسطع ملامح هذه الثقافة في المجتمعات البدائية التي تواجه الطبيعة الأم وقسوتها¡ ولا تتوفر لديها الأدوات المتطورة والتقنيات لحمايتها والمحافظة على بقائها أو الوسائل التي تسهل الحياة عليها¡ فتتوازن وتطمئن بفعل السحر والقرابين¡ وتكوين رموز وكيانات مثل «الطوطم» فيغدو هو الحامي والمعين لها. أو تلك المجتمعات البسيطة التي يتفشى بها الجهل والضعف المادي والمعرفي فتتخللها ممارسات الاستعانة بالجن الخارق الذي تسبغ عليه هيئات بشرية تشبه أفرادها¡ وكذلك ارتداء العين الزرقاء مثلاً وحدوة الحصان للحماية¡ وقراءة الطالع والفنجان لاستشفاف المستقبل وأخذ الحيطة.
إلا أن جميع المجتمعات الإنسانية تمتلك جانباً من ثقافة الخوف حتى تلك المتطورة حضارياً ومعرفياً وعلمياً¡ يظهر ذلك في بعض مناحي وجوانب تعاملات ومعيشة أفرادها¡ ومما يدل على ذلك احتماؤها وراء إيمانيات مثل (الكارما) التي تعني أن الأفعال كانت خيراً أم شراً تعود على مصدرها¡ وكذلك بزوغ ورواج علم الطاقة وتأثير الكواكب على الطبائع والظروف الحياتية للناس.
في محاولات فهمنا لطبيعة حركة التجمعات الإنسانية سنصل إلى الخوارق في السيطرة على خصائص وتفاصيل حياتنا¡ ولكن ليس بالطرق الغيبية الخرافية¡ إنما بإعمال وظائف وقدرات العقل البشري¡ وبالتفوق على صفاتنا البدائية عبر التطور العلمي والفكري.




http://www.alriyadh.com/1674392]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]