فنلندا كغيرها من الدول لديها تحدياتها كشيخوخة المجتمع وما يتطلبه ذلك من رعاية لكبار السن وعلاج الأمراض المصاحبة لذلك¡ لكنها ركزت على الاستثمار في الإنسان وبدأت بالتعليم الذي هو الأساس لعلاج الكثير من أمراض المجتمع الصحية والنفسية والقادر على زرع القيم النبيلة والتربية السليمة لتخريج مواطن صالح يعرف ما هي حقوقه وواجباته تجاه نفسه والمجتمع
تجاوز السبعين سنة ومع هذا تراه من أسعد الناس¡ يحتفل بكل مناسبة سعيدة مهما كانت بسيطة ويلهج لسانه بالدعاء¡ ينتهز كل فرصة ليقدم شكره لمن يقدم له خدمة¡ ويشكر الله على الأمن ورغد العيش بعد ما عاناه في صغره¡ يتذكر ذلك اليوم الذي قرر هو وصديقه السفر من بلدة الغاط إلى الرياض مشياً على الأقدام مدة سبعة أيام وهو لم يتجاوز السادسة عشر من عمره بسبب الجوع وصعوبة العيش¡ في تلك الأيام يعمل الرجل والمرأة من الصباح حتى المساء لتأمين المأكل فقط¡ دعوته في أحد الأيام إلى المزرعة ففرح ولبى النداء¡ نام تلك الليلة هانئاً¡ وفي الصباح حين أحضر له أحد أقاربه قهوة الصباح شكره ثم قال: «ما أجمل الحياة» قال ذلك مع علمي بأنه يتناول أدوية كثيرة ويشتكي من صعوبة المشي بسبب الوزن الزائد وآلام المفاصل¡ لكنه التفكير الإيجابي الذي ينظر إلى الحياة بمنظار الفأل¡ وعلمه الأكيد أن التفكير السلبي والشكوى الدائمة لن يجعلا الحياة أفضل.
تذكرت ذلك الرجل الطيب وأنا أستمع إلى إيجاز من أحد النواب في البرلمان الفنلندي حين ذكر أن فنلندا هي الأسعد عالمياً حسب تقرير السعادة الصادر من «شبكة حلول التنمية المستدامة» التابعة للأمم المتحدة لعام 2018 تليها في ترتيب السعادة عدد من الدول الإسكندنافية¡ وتعجبت كيف يكون الشعب الفنلندي هو أسعد شعوب العالم رغم صعوبة المناخ والليل الطويل في الشتاء والنهار الطويل في الصيف وقلة شروق الشمس بسبب السحب الكثيرة مما يجلب الكآبة للكثير من الناس¡ إلا أنه التفكير الإيجابي وتوفر المعايير التي بني عليها التقرير كوجود الأمن والاستقرار السياسي والحرية والعدالة الاجتماعية وحصة الفرد من الناتج المحلي ومتوسط العمر المتوقع ورقي الخدمات المقدمة للمواطن والتي من أهمها جودة التعليم بكل مستوياته في جميع المدن والقرى كما أكدوا ذلك أكثر من مرة¡ فلا مساومة لديهم على جودة التعليم والذي انعكس أثره على كل نواحي الحياة في فنلندا¡ وذكروا أن السرّ في جودة التعليم يكمن في حسن اختيار المعلم وتدريبه ومتابعته وتقديره على مستوى المجتمع¡ فمهنة التعليم لديهم من أكثر المهن التي يقبل عليها خريجو الجامعات من حملة الماجستير ولهذا يتم اختيار واحد من كل عشرة متقدمين¡ ولا يكمن السرّ في الإقبال الشديد على التعليم بسبب مردودها المادي الذي يعد متوسطاً بالنسبة لبقية الوظائف¡ لكنه التقدير الذي يجده من المجتمع¡ والإيمان الشديد بسمو المهنة ونبلها.
ومن الخدمات التي يفخر بها الشعب الفنلندي جودة الخدمات الصحية والتي أساسها تركيزهم على الرعاية الصحية الأولية وتسهيل ممارسة الرياضة بتخصيص ملاعب في كل التجمعات السكنية¡ والتشجيع على استخدام الدراجة الهوائية ووضع مسارات خاصة بها¡ وإكثار الحدائق العامة والعناية بالشجرة¡ فالرعاية الصحية الأولية هي الأساس في التمتع بالصحة وزيادة معدل العمر بإذن الله¡ وتقليل التكاليف الباهظة التي يتطلبها النظام الصحي¡ وذلك بتقليل أعداد الحالات المستعصية والأمراض المتقدمة ذلك أن الرعاية الصحية الأولية تهدف إلى معالجة مسببات المرض ومنع حدوثه كمكافحة السمنة في بداياتها ومعاملتها على أنها داء يجب مكافحته وليس تركه حتى ينتشر المرض داخل الجسم¡ إضافة إلى تقليل عدد المدخنين بالتوعية في سن مبكرة¡ وتقليل حوادث الطرق¡ كما تهدف الرعاية الصحية الأولية إلى اكتشاف الأمراض مبكراً حيث يسهل علاجها.
فنلندا كغيرها من الدول لديها تحدياتها كشيخوخة المجتمع وما يتطلبه ذلك من رعاية لكبار السن وعلاج الأمراض المصاحبة لذلك¡ لكنها ركزت على الاستثمار في الإنسان وبدأت بالتعليم الذي هو الأساس لعلاج الكثير من أمراض المجتمع الصحية والنفسية والقادر على زرع القيم النبيلة والتربية السليمة لتخريج مواطن صالح يعرف ما هي حقوقه وواجباته تجاه نفسه والمجتمع.
المملكة لديها ترتيب متقدم في مقياس السعادة بين الدول العربية¡ لكنها يمكن أن تتقدم أكثر على مستوى العالم وذلك بالتركيز على مبادرة جودة الحياة التي أطلقها مجلس الاقتصاد والتنمية ضمن المبادرات الهادفة إلى إسعاد المواطن والرقي بالخدمات المقدمة له¡ ومنها الاهتمام بالبيئة والإكثار من الحدائق العامة الكبيرة لجعلها رئة للمدن ومتنفساً لساكنيها¡ ولن نجانب الحقيقة لو قلنا: «أنشئ حديقة تقفل مستشفى» مع الفارق الكبير بين تكاليف المستشفى الباهظة والحديقة قليلة التكاليف.




http://www.alriyadh.com/1693933]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]