تشدني البحوث والكتابات المتعلقة بأثر اللغة الإنساني¡ باعتبار الإنسان حيوانا ناطقاً¡ كما يعرفه بذلك المناطقة¡ وكلمة «حيوان» باعتبار ما في الإنسان من حياة, وهي جنس يعم المعرَّف وغيره, وكلمة «ناطق» فصل يميز المعرَّف عن غيره, أي إن الإنسان خرج عن بقية الحيوان بهذا النطق وبهذا اللسان.
وقد امتن الله عز وجل على الإنسان بالنطق¡ وباللغة¡ فقال تعالى: (الرحمنعلم القرآنخلق الإنسان*علمه البيان) وجعل من آياته المعتبرة اختلاف اللغات¡ فقال:(واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمِين) وبينما يتحدث الكثير عن أهمية تعزيز اللغة الأم لاعتبارات دينية أو ثقافية وأدبية¡ فثم من يتحدث -على قلة- عن أهمية تعزيز اللغة الأم في البلاد أياً كانت هذه اللغة¡ وأياً كانت هذه البلاد لاعتبار اقتصادي بحت.
فهل -فعلاً- تعزيز اللغة الأم له آثار اقتصادية مهمة أفضل من أن يتحدث الناس بلغة ثانية قد تكون رائجة في العالم¿
حتى أجيب عن هذا السؤال أترك الكلام الإنشائي إلى نقاط محددة أشبه بالمعلومات مستقاة من بعض البحوث العلمية¡ ومن مجموعها يعرف القارئ الجواب¡ وأنطلق من ذلك إلى اقتراح مهم لا يزال الكثير يطرحه:
1- الاهتمام باقتصاد اللغة بدأ قبل أكثر من عقدين من الزمان في عدد من الدول المتقدمةº ليس لآثاره الثقافية أو الأدبية أو الفنية¡ وإنما لآثاره الاقتصادية.
2- يتعاظم تأثير العلم والمعرفة والتقنية في النمو الاقتصادي¡ ويتجه إلى الاقتصاد المبني على المعرفة¡ وقد لخص ذلك «باول رومر» من جامعة ستانفورد¡ بنظرية النمو الجديدة التي تقول: إن النمو الاقتصادي لبلد ما¡ يرتبط ارتباطاً مباشراً بالمستوى العلمي والثقافي لهذا البلد¡ وخاصة مستوى القوى العاملة فيه.
3- ينبني على ذلك: أهمية الدور الذي تنهض به اللغة العلمية والثقافية للقوى العاملة¡ وأهمية تعليم العلوم والتقانيا باللغة العربية.
4- عملية التنمية لا تكون إلا بالتنمية البشرية المستدامة¡ وهذه لا تتحقق إلا بالاستثمار الصحيح للإنسان وخاصة معرفته¡ وهذا بدوره يفضي إلى لغته العلمية والثقافية.
5- هناك مؤشرات على توجه العالم إلى وجود عدة لغات عالمية تجني عائدات اقتصادية من تعلم الغير لها مثل: الإنكليزية¡ والفرنسية¡ والإسبانية¡ والصينية.. وتقول إحدى النظريات: إن بقاء اللغة مرهون بما يتداول فيها من إبداع وابتكار علمي وثقافي¡ وهذا كله يستدعي اختيار دعم الترجمة العلمية والثقافية إلى اللغة العربية¡ ويستدعي تعليم العلوم والتقانيا باللغة العربية. (يراجع للتوسع بحث: تأثير اللغة في النمو الاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية)¡ وبهذه المناسبة فإنني أقترح أن يعمل وفي إطار رؤية (2030) على أن تكون المملكة مركزاً رئيساً لتعليم اللغة العربية وتصديرها للخارج باعتبارها من الأصول المعرفية غير المادية.
كما أقترح إنشاء مجمع اللغة العربية¡ لا سيما أن في المملكة عدداً من المبادرات القائمة فعلاً¡ وبالإمكان تجميعها تحت مظلة هذا المجمع¡ وسيكون له أثر فاعل -بإذن الله- في إطار رؤية (2030) إذا أحسن وضع خطة استراتيجية له¡ ويكون البعد الاقتصادي أحد أهداف هذه الخطة ومحاورها الرئيسة.




http://www.alriyadh.com/1707539]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]