من المزايا الجميلة في مجتمعنا احترام كبار السن وتقديمهم في كل مناسبة.. ينبع ذلك من تاريخ عربي قديم¡ وتعاليم دينية تحض على احترام ذي الشيبة المسلم الكبير «كما جاء في الحديث الشريف»..
ولكن مشكلتنا تكمن في خلطنا بين احترام كبار السن¡ وتقـديم كبار السن.. لاحظ ما يحدث في أي مجلس أو منصب أو عملية ترشيح حيث يختار الناس تلقائياً أكبرهم ســناً.. يعرفون أن بينهم أشخاصاً أكثر علماً وكفاءة وتخصصاً وشباباً¡ ولكن تقدير الكبير مقدمة في ثقافتنا على أي شيء آخر..
سبق وحضرت شخصياً مجلساً قبلياً انعقد لحل مشكلة تهم جميع الحضور.. اتفقوا على رفع الأمر للديوان الملكي وبعث مندوب يتحدث بالنيابة عنهم.. كان المجلس يضم مهندسين ودكاترة ومعلمين «ناهيك عن شباب متعلمين» غير أن الحضور رشحوا شيخ القبيلة الذي تجاوز السبعين ولا يجيد القراءة والكتابة وبالكاد تفهم شيئاً من كلامه - فأدركت مقدماً أنه سيفشل في مهمته.. وهذا ما حصل فعلاً..
لماذا نفـتقـد ثـقافة التنازل والاستقالة وعدم الترشح مجدداً «كما فعل بيل غيتس حين استقال من شركة ميكروسوفت التي أسسها بنفسه».. جميع الهيئات واللجان والجمعيات في مجتمعنا لا تختار فقط مرشحين تجاوزوا سن التقاعد¡ بل تعيد ترشيحهم حتى وفـاتهم.. يتحول الأمر بمرور الزمن إلى عرف إداري حتى يموت المرشح القديم فيتم ترشيح من يليه سناً - وهكذا حتى ييئس الشباب وتهرب الكفاءات ويـزدحـم الموقع بالديناصورات «ولكم في الأندية الأدبية عبرة يا أولي الألباب»..
صاحب الشيبة الكبير ليس بالضرورة هو الأكثر كفاءة من الشاب الصغير بدليل قصة الغلام الذي تحدث في مجلس عمر فأمره عمر بالجلوس لوجود من هو أكبر منه سناً فقال الغلام: أصلح الله الأمير لو أن الأمر بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بالحكم..
يجب أن يدرك كبار السن أنفسهم هذه الحقيقة ويتركوا المجال للأجيال الشابة والأفكار الجديدة.. لماذا هذا الإصرار على «التمديد» وعدم التقاعد والاستحواذ على الصلاحيات كافة.. فهم بهذه الطريقة يحرمون الشباب من حقهم في العمل والإبداع¡ ويحرمون المجتمع من حقه في التقدم وتطــور الخدمات.. أصبحت معظم مؤسساتنا وشركاتنا مليئة بمتقاعدين لا يفهمون المستقبل¡ ولا يتخلون عن الماضي¡ ويكررون أساليب أكل عليها الدهر وشرب «وأعرف رجل أعمال تجاوز الثمانين مايزال عضواً في تسع شركات وبنكين وعشرين لجنة خيرية».. من سُــنة الحياة أن يبدأ الإنسان حياته طفلاً متشوقاً للمعرفة¡ ثم شاباً يمتلئ بالحماسة والرغبة في التطبيق¡ ولكنه حين يصل إلى سن التقاعد تـنفـد ذخيرته ويدخل مرحلة «لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا»!!
لماذا لا نستلهم من ترتيب «الأحقية بـإمامة الصلاة» الأحقية في الترشيح وتولي المهام.. فقد ورد في صحيح مسلم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءةً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِناً)..
وما أراه شخصياً هو ضرورة تجاهل مسألة السن والجنس¡ واللجوء لأسلوب «الترشيح» لاختيار الأفضل والأكثر كفاءة اعتماداً على:
العـلم والتخصص..

فـإن تساووا¡ يُـنظر في فارق الخبرة والتجربة وحسن الإدارة..

وإن تساووا في ذلك¡ تصبح الأفضلية لمن يملك «كاريزما» وطلاقة لسان ومهارة تواصل اجتماعي..

وفي حال تساوت هذه كلها نختار حـينها أكبرهم سـناً «وبشرط سلامة حواسه الخمسين»..





http://www.alriyadh.com/1709916]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]