عندما نزلت في مطار "هواري بومدين" في الجزائر¡ منذ سنوات طويلة¡ كان يدور في ذهني سؤال واحد: أين هي الشمس الساطعة ذات الطعم الخاص¡ التي تتميز بها مدن جزائرية غير طعمها في كافة البقاع بما فيها الجزيرة العربية¡ والتي تتميز شمسها بكرم وافر¡ تتمنى معه أحياناً أن تحتجب ليوم أو أكثر لصالح المطر والغيم والهواء المنعش¿ فقد نزلت في ذلك العام¡ من الطائرة بعد معاناة مريرة من طول الرحلة وتوالي المطبات الجوية حتى خرجت لأجد مطراً خفيفاً يغطي الطريق وينساب بهدوء إلى البحر عابراً قنوات عبقرية تجعل الأرض أو الشوارع تبتلع المياه سريعاً¡ لكي لا تعاني المدينة من فائض الأمطار¡ وقد نزلت في فندق "الأوراسي"¡ الذي يشبه في كثير من تفاصيله¡ فندق الهيلتون بالقاهرة¡ وكان الأوراسي يشرف من على مناظر طبيعية غاية في الجمال والروعة.
عندما انتهيت من تأملاتي¡ كان المساء قد هطل مبكراً¡ مثل المطر خفيفاً وناعماً. جلست مع رفاق الرحلة لبعض الوقت¡ ثم توجهت إلى المطعم لتناول العشاء ولاكتشاف المائدة الجزائرية التي سوف تختلف جذرياً عن مائدتنا الصحراوية¡ ذلك ما توقعته لكنني لم أجده¡ فقد كانت المائدة حافلة¡ بأصناف من المطعم الفرنسي والأوروبي والعربي. أكلت وشربت¡ وأنا أدور السؤال الذي قدمت به عن مكامن الشمس الساطعة التي تهيمن على روايات "الغريب¡ والطاعون¡ والموت السعيد" للفرنسي/ الجزائري "البير كامو"¡ ذاك المبدع العاصفة الذي غادر الدنيا سريعاً ليترك الحديث موصولاً لعشاق أدبه وحساده¡ فقد استكثر عليه "مالك حداد" لحمته الجزائرية¡ التي كان يعتز بها¡ مترجماً ذلك الاعتزاز بصدق¡ وليس من الصعب على قارئه ملاحظة ذلك الوله بأرض الجزائر وأهلها. إن أغلب أعماله وأهمها¡ لحمها¡ ودمها¡ وحركتها¡ وعشقها¡ على التراب الجزائري¡ خصوصاً روايتيه "الطاعون والغريب"!
لقد تركت الجزائر بعد أسبوعين حافلين بالأنشطة الثقافية والاجتماعية¡ وتجوال في "ديدوش مراد" وغابات العنب¡ وشراء صناديق من تمر "دقلة نور" وحبة هذا التمر¡ تشبه "الكهرمان" شفافة ومقبولة الحلى. وزيارة لمدينة هادئة قريبة من العاصمة اسمها "البليدة". كان انطباعي مزدوجاً¡ عن الأرض وسكانها. الرجال في الجزائر كرماء¡ لكن طباعهم حادة¡ وبعضهم لهم مواقف¡ ممن يرون أن خطهم الفكري مخالف لهم¡ ومن هذا المنطلق رفضت جمعية أو نقابة الأدباء استقبالنا¡ لكن المسؤولين في الأجهزة الثقافية الأخرى¡ وعلى أعلى المستوى¡ غمرونا بكرمهم وبأخلاقهم العالية.
لقد أعجبتني الجزائر¡ لذلك عمدت عندما عدت منها¡ إلى كتابة سلسلة من المقالات عن تلك الزيارة. وما زلت أقرأ "البير كامو" وأقرأ في نصوصه مدناً جزائرية عدة تتميز بالسطوع¡ وكلما قرأته يدور في خاطري سؤال: ما موقف مثقفي وأدباء الجزائر من هذا الكاتب وهل توجد كتب ودراسات عن مرحلته الجزائرية¿




http://www.alriyadh.com/1717061]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]