إذا ما تتبعنا تلك المراكز تتبعًا علميًا تحليليًا يتناول أصولها وأسسها الفكرية ومجالاتها في البيئات الغربية¡ نجد أن هنالك خللًا عند بعضها في طريقة طرح موضوعات الدين¡ ما يستوجب دراسة تلك المراكز دراسة علمية موضوعية¡ وتقييم الدور الذي تقوم به..
في صيف عام 1986م¡ زارنا الملاكم العالمي محمد علي في مجلة المبتعث في واشنطن¡ وكان وقتها يقوم برحلة دعوية على مختلف الولايات والمدن الأميركية يوزع أثناءها كتاب الصلاة والإسلام للمفكر الإسلامي وارث الدين محمد زعيم ما يعرف بالبلاليين.
قال لي محمد علي حينها: لقد مرت رحلتي نحو الإسلام بعدة مراحل¡ فقد كنت في أول الأمر تابعًا لجماعة أمة الإسلام¡ التي كان يتزعمها إليجا محمد¡ وبعدها بسنوات دخل إلى حياتي الفكرية الداعية الإسلامي وارث الدين محمد¡ وأثر في تركيز تفكيري على النظر في أحوال الدنيا¡ وسرعة تحولاتها ومآلاتها¡ ومعنى الآخرة وحقيقتها¡ وكانت درسًا بليغًا لي¡ ونقطة تحول كبرى في حياتي¡ عند ذلك شعرت بأنني أكثر توافقًا وانسجامًا مع نفسي¡ وأن ما سأقوم به هو أن أحقق ما خلقت من أجله.
كنت في بداية حياتي ضعيفًا متوحدًا حائرًا¡ وأنا اليوم واضح الوجهة¡ عميق الفهم¡ قوي¡ أشعر بأنني جزء من أمة.
لقد بذلت كل ما في وسعي لكي أصل إلى الحقيقة¡ وعندما أيقنت بالحقيقة¡ بعت كل ممتلكاتي ومؤسساتي وشركاتي¡ بل حتى قفازي الذي حققت من ورائه بطولة العالم للمرة الأولى¡ وأتبعت ذلك ببيع منزلي الخاص¡ وتفرغت لنشر الإسلام¡ فعندما تكون في حالة يقين بما تؤمن به¡ سيستمع إليك الناس¡ بل يتفاعلون معك¡ واليوم في هذا المنعطف المهم من حياتي¡ علي أن أضع قدمي على الطريق الصحيح.
فالسبيل الوحيد لنشر الإسلام هو التحدث مع الجمهور العام¡ لقد اشتريت منزلًا متحركًا¡ وكميات كبيرة من الكتب عن الإسلام¡ وسأقوم بالتوقيع عليها وتوزيعها¡ واليوم قطعت الساحل الشرقي¡ وجئت إلى واشنطن عبر رحلة طويلة¡ بدأتها من مدينة بويفيل بكنتاكي¡ منتهجًا طريقًا دعويًا جديدًا¡ وهو أن أجلس في طرقات المدن ومراكز التجمعات¡ وعندما يراني الناس يقبلون عليَّ¡ فأوقع لهم على الكتاب¡ وأقدمه لهم¡ وقد وقعت حتى الآن على أكثر من 50 ألف نسخة.
محمد علي مثال لكثيرين نمر بهم أحيانًا في حياتنا العاجلة¡ وقد لا تطول وقفتنا معهم¡ وليتها تطول ثم يمضون ونمضي¡ لو نستطيع أن نقدم لهم من أنفسنا بقدر ما هم مستعدون لكي يقدموا لنا من أنفسهم وللحضارة التي نمثل لكان عملًا ذا قيمة كبيرة في أنفسهم البسيطة وفي أنفسنا أيضًا¡ ولكن الحياة تسير¡ فلا أقل من أن نحسن لقاء هؤلاء.
غادرنا محمد علي¡ وفي الطريق رأيته جالسًا في ناصية شارع ماساشوسيتس بواشنطن¡ يوقع للناس كتاب الصلاة والإسلام.
واصلت طريقي إلى المركز الإسلامي في واشنطن¡ والتقيت الدكتور عبدالله جوخ مدير المركز¡ وهو رجل أكاديمي¡ تمحورت دراساته العلمية حول قضايا التربية والدراسات النفسية من الوجهة الإسلامية¡ درس الدكتوراه في جامعة بوسطن¡ وكان موضوع أطروحته العلمية الاتجاه الإنساني في علم النفس.
تحدثنا طويلًا عن المراكز الإسلامية¡ وقال: إن المركز الإسلامي في واشنطن يعتبر حلقة وصل ما بين الغرب والعالم الإسلامي¡ وللمركز حضور كبير في المؤتمرات التي تعقد في الولايات المتحدة الأميركية¡ وقد قمنا بجمع كل ما كتب حول الإسلام لدراسته وتحليله.
تتشكل المراكز الإسلامية في الغرب تحت تأثير توجهين تفصل بينهما ثقافتان مختلفتان: الثقافة الآسيوية وما يقع تحت تأثيرها¡ والثقافة الأفريقية غير العربية.
المراكز الإسلامية التي تقع تحت إدارة وإشراف الجاليات العربية الهندية والباكستانية والتركية أو الجاليات التي جاءت من أمريكا الجنوبية إدارتها الفعلية تتبع للشخصيات ذات الدخول المرتفعة كالأطباء والمحامين والمهندسين¡ هذا في حالة عدم وجود التمويل الذي عادة ما يأتي من بعض الدول الإسلامية¡ وتتبنى غالبية تلك المراكز في تشريعاتها وفلسفتها الإدارية نظام الشورى¡ وبعض تلك المراكز تشرك المرأة في التمثيل الانتخابي كعضو في مجلس الشورى¡ وممثلة لنساء المركز في المجالس التي تتصل بالمرأة ونشاطها الإسلامي.
وبعض المراكز تتوسع في استيعاب بعض المذاهب المعاصرة كحزب التحرير وجماعة التبليغ والطرق الصوفية¡ أو أن يقتصر المركز على مذهب من المذاهب الإسلامية أو جماعة من الجماعات.
أما المراكز التي تقع تحت إدارة وإشرف الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية¡ فقد كانت في بداياتها الأولى تتبنى ما يلائمها من الدين الإسلامي والعادات والتقاليد والأعراف الأفريقية¡ فمنها من حافظ على هذا النهج¡ كلويس فرخان¡ الذي رأس ما يعرف بالمعبد 7 في نيويورك¡ وهو خطيب معروف¡ ومنها من تحول عن ذلك إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة كالبلاليون¡ ومنهم من صحح توجهه الديني كمالكوم إكس (الحاج مالك الشباز) بعد انفصاله عن جماعة أمة الإسلام والملاكم العالمي مايك تايسون¡ وتتبع تلك المراكز مجالس وهيئات مختلفة كمجلس النساء المسلمات وجمعية النساء المسلمات الأفريقيات وجمعية فتاة الإسلام.
وإذا ما تتبعنا تلك المراكز تتبعًا علميًا تحليليًا يتناول أصولها وأسسها الفكرية ومجالاتها في البيئات الغربية¡ نجد أن هنالك خللًا عند بعضها في طريقة طرح موضوعات الدين¡ لقد تعددت الاختلافات بين تلك المراكز بتعدد الموجهات الدينية¡ ما يستوجب دراسة تلك المراكز دراسة علمية موضوعية¡ وتقييم الدور الذي تقوم به.
إذ إن الدراسات التي تحدثت عن المراكز الإسلامية في الغرب تنقصها الدقة والحيادية¡ فتغيب الحقيقة العلمية¡ وتبرز كثير من التقديرات غير العلمية¡ فالذي يطلع عن قرب على واقع تلك الدراسات¡ وبالذات تلك الدراسات التي قام بها دارسون أوفدتهم جامعاتهم لاستكمال متطلبات دراستهم¡ وكتابة رسائلهم العلمية عن المراكز الإسلامية¡ يتضح عدم دقة تلك الدراسات¡ ذلك أن بعض الدارسين على غير معرفة دقيقة بأحوال وظروف تلك المراكز وتنوعاتها واختلافاتها من جالية لأخرى¡ ولذلك جاءت نتائج دراساتهم غير دقيقة¡ والسبب أن تلك الدراسات سلكت أقصر الطرق في البحث العلمي¡ وأيسر الأساليب في استحضار المعلومات التي هي عادة بيانات عن موقع المركز وهيئته والعاملين فيه ومصادر الدخل ورواد المركز والمدرسة التابعة للمركز¡ وبعض المراكز تتطوع بتقديم تلك البيانات¡ التي قد تؤثر في علمية وحيادية الدراسة.




http://www.alriyadh.com/1720218]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]