كثير من من المفاهيم يتمُّ تعويمها وتوظيفها بشكل يجعلها ملتبسة لا تأخذ صفتها الحقيقيةº مثل مفهوم العدالة والحرّيّة وحقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم مما يجعلنا نعيش تشويشًا مفاهيميًّا¡ يحتاج معه ضبط أي مفهوم ومعايرته وموضعته في مكانه الصحيح.
ولعلّ مفهوم حقوق الإنسان -الذي يجري لوكه على الألسنة بشكل مفزع هذه الأيام- هو من أكثر تلك المفاهيم إثارة للجدل والالتباسº بل إن بعضهم يوظّف هذا المفهوم إيديولوجياً وبما يتوافق مع هواه السياسي والمصلحي النفعي»البراغماتي»¡ ليس على مستوى الأفراد المُؤدلَجين فحسبº وإنما حتى على مستوى الدول التي ترى أنّ مفهوم حقوق الإنسان نشأ وفق شروط فلسفية لم تتوفّر إلاّ في العصور الحديثة متناسين تماماً أنّ الدين الإسلامي بتسامحه ورحابته وعمقه الروحي والكوني كان هو المؤسّس لهذه الحقوق وغيرها مراعياً مصلحة البلاد والعباد وبشكل لا يمكن معه ضبط أي خروق أو ثقوب تخدش اكتماله وبُعده الأسنى والأسمى وأنّه من لدن ربّ رحيم وعظيم.
ومن المثير للعجب أن ترتفع عقيرة البعض مع اندلاع أي أزمة في دولة من الدولº فنراهم ينبرون للمطالبة بتلك الحقوق إذا كانت تخصّ طرفاً أو جهة يعنيهم مكاسبها السياسية فيتم توظيف الإعلام المتحيّز واللاأخلاقي لتحقيق هذا المأرِب. لكنّ تلك الأصوات تخفُت بل تختفي تماماً عند وقوع حالات شغب أو تظاهرات أو احتجاجات في دول يفترض أنها ضالعة في تحقيق الحقوق ومثالية في التعامل معها¡ نجدهم صامتين متّخذين صفة الحياد.
مأزق هؤلاء المضلِّلين أنهم يتعامون ويصمّون آذانهم عن حقائق التاريخ¡ ولا يملكون البصيرة السياسية الحاذقة ولا الأُفُق الفكري الرزين والواسع والمتفتّحº فمن منّا لا يقرأ التاريخ ويعرف أنّ سيرورته لن تتوقّف وأن الاختلاف والشغب والحروب على اختلاف أنواعها وأسبابها هي سمة العصور جميعها ونزوعاتها البشرية¿
فالحضارات الكبرى للمجتمعات -وفقاً لإدغار موران- شهدت تحولاتها بعض المميزات البربرية وأن بربرية الغزو الأوروبي لم تعرف نهايتها بعد الحرب العالمية الثانية رغم أن الأمم الأوروبية قطعت علاقاتها مع الكولونيالية¡ بل تخلّت الأمم الأوروبية شيئاً فشيئاً فيما يتعلّق بالبربرية التطهرية¡ وبفضل تشكيل فضاء أوروبي عن النزعة القومية المرتكزة على الصفاء والطُّهر الإثنيº ومع ذلك فإننا في عصر تعرف فيه البربرية الأوروبية تراجعاً كبيراً¡ حيث يمكن للترياق الثقافي الأوروبي الذي لعب دوراً في هذا التراجع¡ أن يسمح بتجديد هويّته.
الخلاصة أنّ هذا العصر بكافة تمظهراته يؤكّد حقيقة لا مناص منهاº وهي هزيمة العقل أمام هذا المدّ الدوغمائي الذي لن ينجو العالم منه إلاّ بِهَبّة فكرية تستأصف شأفته المدمّرة.




http://www.alriyadh.com/1720764]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]