تعلمت يوماً ما من حياتي كيف أطبخ الكبسة والشكشوكة وكيف أعد الفول مع الكشنة وهو ما يعرف اليوم بالقلابة¡ مع الأسف توقفت قدراتي على الطبخ عند هذا المستوى¡ بل نسيت موازين مقادير الكبسة.
قبل عدة أيام قررت أن أستعيد خبرتي القديمة في الطبخ¡ دخلت على اليوتيوب¡ صادفت مئات المواقع التي تعلمك الطبخ خطوة خطوة¡ كل الأكلات التي تعرفها والتي لا تعرفها¡ استعرضت قائمة الاقتراحات¡ من بين الفيديوهات فيديو كيف تطبخ المرقوق¡ كان المرقوق في الزمن القديم أكلتي المفضلة. فقررت أن أعد لنفسي وجبة مرقوق ونجحت.
كانت لحظة في غاية الطرافة. كيف جاء اليوم الذي أتعلم فيه طبخ المرقوق عبر الإنترنت. مهارة يتعلمها الإنسان**من والدته أو زوجته صار يتعلمها بشكل منهجي وبتنويعات لا حصر لها ومجاناً وفي أي وقت. تأملت في الأمر. المسألة لم تعد محدودة في مجال واحد أو صنعات محددة.
في غضون السنوات الثلاث الماضية راجعت طيفاً واسعاً من ثقافتي التي أكتسبها عبر السنين بمساعدة اليوتيوب¡ الطبخ والأدب والبلدان والعقائد.. إلخ. اكتشفت كم كنت مضللاً واكتشفت أيضاً أن ثقافتي مليئة بالثقوب. شاهدت الحرب العالمية الثانية من جميع وجوهها بعد أن ظل وعيي حبيس كتاب أو كتابين قرأتهما في زمن طلب العلم. تغيرت مواقفي من قضايا كثيرة وتعززت قدرتي على التفكير الحر وتحررت من قناعاتي الساذجة.
أمر يقود إلى أسئلة وجودية كثيرة¡ ما الذي سوف تفعله الميديا الجديدة بالعقل البشري وإلى أين ستأخذه¿ كيف سيكون الإنسان خلال الثلاثين سنة المقبلة¿ هل سيتعزز في داخله اليقين أم ستصبح البشرية في حالة شك دائمة¿ هل سيكون الوعي ثابتاً راسخاً كالجبال أم مائجاً هائجاً كالبحر¿
تستطيع اليوم أن تراجع كل شيء تعلمته وكل شيء حشي في دماغك.
أهم شيء يمكن توقعه في الثلاثين سنة المقبلة أن يصبح الإنسان الفرد مسؤولاً عن نفسه وعن تقرير مصيره وصناعة اتجاهاته¡ ستهن القبضات السياسية والثقافية وتتلاشى أدوات التوجيه المنظم. ستنخفض مستويات التجريم. وربما تتداخل قوانين العالم.
ما تسمعه من توجيه في المدرسة سترى تحديه في اليوتيوب أو على تويتر¡ قرار الصح والخطأ سينتقل إلى التلميذ نفسه.
كمية المعلومات في السوشل ميديا غير معقولة وغير معقلنة ولا حدود لها ولا رادع يوقف تدفقها وفي متناول الجميع¡ كل المحاولات التي نراها اليوم سوف تهزم¡ سن قوانين توعية مراقبة حجب¡ سيكون حائط الصد الوحيد لهذا العالم هو عقل الإنسان فقط.




http://www.alriyadh.com/1746197]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]