الزمان والمكان هما اللذان يصوغان الإنسان¡ رهافة الحس¡ الاستجابة للشغف هي التي تصنع منه فنانا¡ وهذا ما صنع غازي علي.
تربى يتيما عند أم عظيمة¡ عرفت وهي التي تربت في بيت فني تملؤه الموسيقى أن لديها ابنا ليس كالآخرين¡ وأن رعايته ومنحه كل ما يحتاج سيُخرِج منه فنانا مختلفا¡ وقد كان.
هذا الطفل¡ الذي أبكته الموسيقى والترنيمات حين استمع إليها وهو طفل¡ والذي «حوّش» قروشه كي يشتري بمصروفه ديوان شعر إيليا أبو ماضي - كبر كي يصبح غازي علي¡ كما نعرفه الآن.
حين تستمع إلى غازي علي يتحدث أو يغني تمتلئ روحك بالصفاء¡ وتتساءل: ما السبب في ذلك¿ هل لأنه ابن المدينة التي يشتهر أبناؤها بهذه الروح الممتلئة بالسكينة¡ أم لأنه درس اليوجا سنين عديدة¡ وعرف كيف يجعل من نفسه بوتقة راحة وعطاء¿
عزلته كانت خيارا أم حاجة أم اضطرارا¡ يمكنني التخمين أنها مزيج من كل ذلك. وهي ليست عزلة رافضةº لأنه يستقبل الناس¡ ويدرس الموهوبين الموسيقى¡ ويعيش كما يحلو له بين الكتب والموسيقى. كانت خيارا حين شعر بأنه لا يستطيع أن يقدم ما يريد أن يقدمه في أجواء لا ترضيه. وحاجةº لأن نفسه المطمئنة شعرت بأنها ستفقد اطمئنانها لو أنها أرغمت على الاختلاط بمن لا تريد الاختلاط بهم.
غازي علي درس الموسيقى في الكونسرفتوار في القاهرة في ستينيات القرن الماضي¡ تعرف على كبار الموسيقيين ودرس على أيديهم¡ يمكننا أن نعرف إلى أي حد كان طالبا موهوبا ومحبوبا حين نسمع منه كيف كان صديقا مقربا للموسيقار العبقري رياض السنباطي.
عاش غازي علي تلك الأيام¡ وعرف معنى أن يلتفت الكبار إلى موهبة صغيرة¡ وشعر بأن عليه أن يرد الدين¡ وأن يلتفت إلى المواهب¡ يشجعهم ويعلمهم. أمضى عمره وهو يفعل ذلك.
نشر الموسيقى والثقافة الموسيقية كانت وما زالت همه وحلمه. قدم للإذاعة برنامجين يؤكدان هذا الهم: برنامج عن الموسيقى العالمية¡ وآخر عن الموسيقى الشرقية¡ حلمي الآن أن أستمع ويستمع الناس معي إلى تلك الحلقات.
نادى وينادي بإنشاء معهد للموسيقى¡ المواهب كثيرة وهو من منزله الذي استقبل كثيرا منهم يعرف ذلك¡ وكان يتمنى في فترة من الفترات أن يزور المدارس ليكتشف تلك المواهب¡ تلك أمنيته¡ أمنية عاشق للفن¡ فنان مثقف¡ حياته وكيف تصرف في أيامه تثبت لنا ذلك.
كتب ولحن وغنى «روابي قبا» و»شربة من زمزم»¡ كتب ولحن «سلام لله يا هاجرنا»¡ وهي من أعذب ما غنى طلال مداح¡ ولحن «أسمر حليوة» التي غناها طلال أيضا.
يمكنني أن أفخر بأن فنانا بحجم غازي علي¡ بثقافته ورؤيته وعشقه للفن¡ ينتمي إلى بلدي.




http://www.alriyadh.com/1765320]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]