رمى لي أحد أصدقائي الأعزاء سؤالاً غريباً¡ وشعرتُ معه بأن التاريخ غفل عنه عبر العصور¡ وقد يكون هذا السؤال صادماً نوعاً ما¡ لكن لا بد من طرحه الآن أكثر من أيّ وقت مضى. لماذا الرجل أكثر حضوراً وتميزاً في عالم التأليف¡ والإبداع على مدى قرون طويلة¿ أين المرأة الفقيهة¿ أين المرأة المفسّرة¿ أين المرأة المحدّثة¿ أين المرأة الكاتبة (المترسّلة)¿ أين المرأة الشاعرة¡ أين المرأة الناقدة¿ أين المرأة المؤرخة¿ أين المرأة اللغوية¿ لماذا لم نرَ في تاريخ حضارتنا العربية من النساء من نافست سيبويه في النحو¡ أو الجاحظ في الأدب¡ أو ابن العميد في الرسائل¡ أو المتنبي في الشعر¡ أو ابن قدامة في الفقه¡ أو ابن خلدون في علم الاجتماع¿!
ولو رمنا عدّ النساء الأعلام في مجالات متنوعة منذ القديم¡ لوجدنا نزراً قليلاً منهن مقابل الرجال¡ ومع ذلك فالحقُّ أنهن لسنا بغائبات عن المشهد الديني¡ والتاريخي¡ والأدبي¡ والعلمي¡ والإبداعي¡ ويؤكد ذلك قديماً كتاب (بلاغات النساء) لابن طيفور (280هـ) الذي أحصى فيه عدداً من النساء في حقول علمية مختلفة¡ وساق من طرائف كلامهن¡ وملحهن¡ ونوادرهن¡ وأخبارهن¡ وأشعارهن في الجاهلية والإسلام. وكذا فعل - بتوسع - عمر رضا كحالة في العصر الحديث عندما جمع عدداً هائلاً من (أعلام النساء) ومشاهيرهن.
ولكن لا تزال المرأة من حيث الجودة¡ والتفوق أقل حضوراً من الرجل منذ القديم¡ وهي على مستوى التأليف والإبداع تضيع في خضم الرجال¡ ولا نملك سوى أسماء محدودة من زوجات المشاهير¡ والمبرّزين. ونادراً ما نرى شاعرة كالخنساء¡ والخرنق بنت بدر¡ وليلى الأخيلية¡ ونكاد لا نعثر على ناقدة¡ أو نحوية¡ أو مؤرخة¡ أو مؤلفة إلا نادراً. وقد يعزو بعضهم ذلك إلى انشغال المرأة ببيتها¡ وخدمة زوجها¡ وتربية أبنائها¡ وبناء الرجال¡ والأجيال.
وربما كان زمننا هذا أكثر حضوراً للمرأة تأليفاً¡ وإبداعاً¡ فقد ظهرت الشاعرة¡ والقاصة¡ والروائية¡ والناقدة¡ والفنانة التشكيلية¡ والمخترعة¡ والعالمة. وصرنا نرى الطبيبة¡ والمهندسة. وبرزت غير واحدة في زمننا هذا - في المجال الإنساني - كالنحوية العراقية د. خديجة الحديثي¡ والناقدتين السعوديتين: د. سعاد المانع¡ ود. فاطمة الوهيبي¡ والروائية السعودية رجاء عالم. وهذه الأسماء على سبيل الاستشهاد فقط¡ وإلا فالقائمة تطول وتطول بعيداً عن "الجندر".




http://www.alriyadh.com/1765678]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]