عازف بيانو ياباني أراد أن يلفت أنظار العالم إليه¡ فادّعى أنه معوق لا يسمع ولا يرى¡ وبدأ في استغلال حالته تلك إعلامياً حتى يثبت للعالم أنه شبيه بالموسيقار العظيم بيتهوفن.. ومرت خدعته على الإعلام الياباني¡ وبدأ يبيع بعض مقطوعاته¡ الموسيقية ويروج لعبقريته.. ولكن الأمور لم تسر كما يبتغي¡ وتم اكتشاف أنه مخادع يسمع ويرى¡ وأن مقطوعاته الموسيقية ليست إلا من إنتاج فنان مغمور¡ فقير¡ كان يبيع عليه نتاجه الفني.. وبالطبع فقد تمت إقامة الدعوى عليه في المحاكم اليابانية¡ والحكم عليه بعشرين سنة سجناً.
تمثيل دور الضحية موضة عالمية¡ فكل من يريد موضعاً أفضل مما يستحق¡ فما عليه إلا أن يتباكى أمام الناس مدعياً أنه معوق¡ أو أنه أصيب بمرض¡ أو أنه كان فقيراً للغاية¡ أو أنه كان معنفاً أو ضحية تحرش¡ أو عنصرية.. وفي الغالب يفوز من يفعل ذلك¡ حينما يحصل على أحضان متعاطفة¡ وجماعات مؤيدة¡ وحكومات أو مؤسسات تستقبله استقبال الفاتحين.
وفي عالمنا العربي تنامت فكرة الضحية بشكل غريب¡ فجزء كبير من المتقدمين لبرامج الهواة¡ ضحايا سابقين¡ وربما يكون أحدهم قد عانى من موت قريب أو حبيب¡ فيتم تضخيم دور الضحية¡ لتصبح هي سر موهبته وطريق إبداعه.
ولو كان مبدعاً¡ فقد يكون مقبولاً أن يحكي عن معاناته¡ ولكن عندما تكون موهبته بسيطة¡ يريد تضخيمها بكونه ضحية¡ وبتحوير درجات قبوله سواء عند الجمهور أو عند الحكام فهذا أمر مؤسف.
في العمل أصبح دور الضحية واضحاً¡ فكون الموظف أنثى¡ يجعلها تعامل معاملة مختلفة عن الذكر¡ بتكريس صورة الضحية! وربما تدعي أنها تعرضت لتحرش¡ دون أن يكون هنالك أي دليل¡ لأن المديرين أصبحوا مبرمجين¡ لتقبل تلك الحكاية¡ وسحق من يتهم بالتحرش¡ أو التعنصر¡ ودون رؤية أو رويّة¡ فكنا في السابق نعلم أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته¡ ولكننا اليوم ومع من يستغلون دور الضحية¡ أصبحنا نحكم بسطحية مريضة¡ وقد يتم الضغط على المتهم وربما طرده من العمل¡ قبل أن يتم التحقق من ثبوت جرم تهمته!
تصفية مرضية¡ أصبحت تتضح بيننا¡ خصوصاً أن النساء الآن متساويات مع الرجال في كل ما يخص العمل¡ ولكن من تريد أن تفعل السوء بزميل لها¡ فدور الضحية فاعل¡ ولا يخضع للتمحيص والتأكد عند كثير ممن يطيرون في العجة.
الأمر يحتاج إلى وقفات صدق إنسانية¡ ولجان للفصل في مثل هذه المشكلات دون تشهير¡ ودون تسرع بالحكم¡ ودون كيل الظلم على بريء قدره أنه لا يمتلك أن يكون ضحية.
في مجال العمل¡ ومجال التسابق في الوظائف¡ وفي مجالات الإبداع¡ لا يجب أن ننخدع مع دموع الضحية¡ وننسى أصول العدالة والتفاضل¡ والقدرة¡ والأحقية¡ بين الطرفين¡ فالله لا يحب الظلم ولا الخداع.




http://www.alriyadh.com/1775850]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]