كنت ابتداء كتبت عنوان المقال: بندر بن عبدالعزيز الأمير الصالح¡ ثم تفكرت «وفي هذه الفكرة عبرة» فقلت: إن من انتقل إلى الدار الآخرة: هو في حاجة إلى الدعاء لا إلى الثناء فكتبت في العنوان: رحمه الله¡ مكان الأمير الصالح¡ فرحمة الله على الأمير بندر وعلى والديه¡ ورحم الله أموات المسلمين أجمعين.
إذا تحدثنا عن الأمير بندر بن عبدالعزيز أو عن غيره من رموزنا في هذه البلاد¡ سواء كانوا من الملوك أو الأمراء أو العلماء أو غيرهم ممن خدموا البلاد والعباد علمياً أو عملياً¡ إذا تحدثنا عنهم فلسنا نعتمد إبراز المآثر والمناقب مجردة لا لهدف¡ إن من أبرز الأهداف لذلك: أن تكون حياتهم أو مواقفهم وخدماتهم مبرزة أمام الأجيال الصاعدة¡ التي هي -بلا شك- في حاجة أن يكون لها قدوات تتأثر بهم¡ وتقتبس من حكمتهم¡ ولنا في كبار علمائنا عبر التاريخ أسوةº إذ ألفوا المصنفات التي هي موسوعات في تراجم الأعلام من خلفاء وأمراء وعلماء وكتاب وأدباء.. على سبيل المثال: «سير أعلام النبلاء» للذهبي -رحمه الله-¡ وقد قرأته في سن مبكرة في مرحلة الثانوية¡ وكان له تأثير عجيب أجده كالطابع على قلبي إلى الآن¡ وأذكر تعليقات الذهبي على بعض الأحداث والشخصيات¡ باتزان وإنصاف يدلك على علم وعقل وتقوى.
بندر بن عبدالعزيز رحمه الله: في يوم الصلاة عليه¡ وكنا إذ ذاك في الطائف في الدوام الصيفي¡ مررت على شخص في مكتبه أعزيه في الأمير¡ هذا الشخص من علماء البلاد الكبار¡ تميز برسوخه في العلم¡ وثباته في مواجهة الفتن لاسيما تلك التي تتعلق بالأحزاب والمناهج الفكرية المنحرفة.. أسأل الله تعالى لي وله وللقارئ الثبات حتى نلقاه¡ ذلكم هو العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-. وإنما مررت به لأني أعرف أنه يحمل وداً خاصاً لسموه.
دخلت إلى مكتبه سلمت عليه.. قبلت رأسه.. سألته عن حاله -قلت- له: أحسن الله عزاءك في سمو الأمير بندر.. ترحم الشيخ على الأمير¡ وأخذ يتحدث عنه¡ لكني رأيته ركز على صفة في الأمير ذكرها وأعاد في ذكرها: التواضع. وهذه الصفة التي ذكرها الشيخ عن الأمير هي من أرجى الأعمال التي يرجى لصاحبها الخير عند الله تعالىº لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث المخرج عند مسلم: (.. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) والرفعة تشمل: أن يرفعه الله في الدنيا ويرفعه في الآخرة. خرجت من عند الشيخ الفوزان قبيل الظهر¡ وصليت الظهر -اتفاقاً- في مسجد الأمير بندر بن عبدالعزيز -رحمه الله- فقلت في نفسي هذا من الفأل الطيب -إن شاء الله- خرجت للتو من عالم أثنى عليه¡ وصليت الآن في مسجد بني على نفقته.. وبعد الصلاة رأيت بعض عوام المسلمين يعزون بعضهم بعضاً في الأمير رحمه الله. ولقد ذكر لي صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر -حفظه الله- أن والده في يوم وفاته وقبيل صلاة الظهر¡ كان يسأل هل دخل وقت صلاة الظهر¿ حتى قيل له: نعم. فصلى الظهر¡ قال الأمير فيصل: ثم أخذ الله «وداعته» قبل أن يحل وقت صلاة العصر¡ فقلت: سبحان الله قلب معلق بالصلاة.. إلى آخر فريضة يؤدي أمانة الله تعالى فيها¡ وقد ذكر -عليه الصلاة والسلام-: أن مما يمحو الله به الخطايا¡ ويرفع به الدرجات: «انتظار الصلاة بعد الصلاة».
إن من فوائد هذا العرض ما مَنّ الله تعالى به علينا في هذه البلاد من الألفة والتماسك ما بين الأسرة الحاكمة والشعبº ذلك أنهم ممتزجون بهم¡ منهم وفيهم¡ في تدينهم وفي عاداتهم وفيما يحسون به ويشعرون¡ وكنت في حديث قريب من هذا مع معالي أخي الفقيه الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ¡ فقال: هذا من فضل الله تعالى على هذه البلاد¡ وفي هذا المعنى يقول عليه الصلاة والسلام: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم¡ وتصلون عليهم ويصلون عليكم) الحديث. ومعنى تصلون هنا: أي تدعون¡ قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: فمن محبة الرعية للأئمة أنهم يدعون لهم دائماً¡ والأئمة كذلك يدعون لرعيتهم.




http://www.alriyadh.com/1776528]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]