حل مشكلة التعصب مسؤولية تربوية واجتماعية تتحقق بتكامل جهود جهات مختلفة. البداية تكون بتبني الأندية مجتمعة لسياسة محاربة التعصب¡ وإدارات الأندية يجب أن تكون قدوة في هذا المسار..
هذا المقال موجه إلى وزارة الإعلام¡ ووزارة الثقافة¡ ووزارة التعليم¡ وهيئة الرياضة¡ ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.
بدايةº أعتقد أن وجود التعصب الرياضي واقع يصعب إنكاره¡ وهو يتحول مع الزمن إلى ظاهرة خطيرة من الناحيتين الاجتماعية والأمنية¡ ويجب التفريق بين الإثارة والتعصب. ليس من المنطق القول إن التعصب مطلوب لتحقيق الإثارة¡ فالأخيرة يجب أن تكون إثارة فنية داخل الملعب.
مشكلة التعصب موجودة على مستوى العالم¡ وتختلف حدتها بين مجتمع وآخر. الآن وصلت إلينا ولا بد من الاعتراف بوجودها¡ وهذه هي الخطوة الأهم لحلها. الخطوة الثانية هي تحديد المسؤولية في وصول تشجيع الفرق الرياضية إلى مرحلة التعصب¡ وخضوع الرأي الرياضي والنقد لهذا التعصب. صحيح أن المشكلة عالمية¡ ولكن هذا لا يبرر وجودها عندنا¡ لماذا لا نقدم للعالم صورة مختلفة بفكرها وروحها الرياضية.
أرى والرأي للجميع أن المسؤولية تتوزع على النحو التالي:
_ الإعلام:
ليس المقصود هنا منظومة الإعلام بكامل فروعها وتفاصيلها. نتحدث هنا عن الإعلام الرياضي. هذا الإعلام كان جزءًا من الحل فأصبح هو المشكلة. لماذا¿ لأن معظم الذين يمثلون الإعلام الرياضي هم في الأساس مشجعون للأندية¡ وهذا شيء طبيعي ولا يمثل المشكلة المطروحة¡ المشكلة بل المعضلة هي عدم قدرتهم على ممارسة الموضوعية في الكتابة والمشاركة في الحوارات. الرأي الرياضي صار يخضع للميول¡ ومن هنا تولد التناقضات والمناكفات حتى تحولت الحوارات الرياضية إلى مسرحيات للتسلية¡ ولكنها تسلية تغذي التعصب. كان يفترض أن تكون الحوارات الرياضية منبرًا للآراء الفنية والتثقيف والتطوير والتوعية¡ لكنها صارت ساحة لمعركة بين الإعلاميين أو النقاد الذين يشاركون وكأنهم يمثلون الأندية. صاروا ينحازون للأندية وليس للحقائق الموضوعية. صار التعصب في التشجيع يؤهل لدخول مجال الإعلام والنقد.
هذه مشكلة واضحة ومعروفة ومشاهدة بشكل يومي ومقروءة أيضًا عبر مقالات تكتب بحبر العاطفة¡ كل همها مصلحة النادي وليس الرأي الموضوعي الذي يسهم في التطوير.
إن واقع الإعلام الرياضي وعدم القدرة على ممارسة الموضوعية يقودان إلى حل منطقي¡ وهو مراجعة معايير الاختيار¡ ووضع معايير صارمة علمية ومهنية¡ وتقييم مستمر للأداء. ستكون النتيجة هي استقطاب كفاءات جديدة مختلفة من حيث التأهيل العلمي والخبرة¡ والسمات الشخصية التي تساعد صاحبها على الحوار بطريقة موضوعية وحضارية¡ وطرح فكر رياضي مختلف ومستقل¡ يركز على القضايا المهمة وليس إضاعة الوقت في مناقشة أمور هامشية يسيطر عليها فكر المؤامرة.
_ إدارات الأندية:
الإدارات في الأندية الرياضية مسؤولة عن أداء النادي ونشاطاته وتحقيق أهدافة الرياضية والثقافية والاجتماعية. النادي ليس كرة قدم فقط. كرة القدم لها الشعبية الأعلى في كل العالم¡ ولها أيضًا فريق عمل فني وإداري مسؤول عن كل تفاصيلها. دور الإدارة وخاصة رئيس مجلس الإدارة دور قيادي استراتيجي للنادي كله وليس لكرة القدم فقط.
إن شعبية كرة القدم وكونها أهم مصادر استثمار وإيرادات النادي لا يعطي المبرر لرؤساء الأندية لممارسة دور المشجع والمدرب والناقد والإعلامي والإداري. النادي مؤسسة اجتماعية وثقافية ورياضية¡ ويفترض أن يدار بطريقة مؤسساتية. بعض الأندية العالمية المشهورة في كرة القدم يقودها رؤساء قد لا يعرفهم إلا قلة من الناس. أما عندنا فقد ساهمت تصريحات بعض رؤساء الأندية في زيادة التوتر والتعصب وليس الإثارة. إدارات الأندية مشروع ينتظر التطوير ليواكب التنمية الإدارية القائمة حاليًا في المملكة.
_ التفاوت في تطبيق الأنظمة والقوانين:
الأنظمة والقوانين في الرياضة وفي غيرها وجدت لتحقيق العدل بما يشكل أرضية خصبة للنجاح. إذا حدث تفاوت في تطبيق الأنظمة على حالات متشابهة¡ فهذا يفتح المجال للتساؤلات والتشكيك والانتقادات والاتهامات. هذا العمل القانوني يجب أن يتحرر من العواطف والمجاملات والميول¡ ويخلص لتطبيق الأنظمة بكل حياد ونزاهة. في تطبيق القانون والأنظمة يجب عدم النظر للأسماء والتاريخ والإنجازات. لا أحد فوق القانون شعارًا وتطبيقًا هو الذي يحقق العدالة.
_ التعليق الرياضي:
يعتقد البعض أن صوت المعلق القوي على مباريات كرة القدم¡ والتعليق على كل صغيرة وكبيرة¡ والخروج عن النص هو جزء من تحقيق الإثارة. هذا الرأي قد يكون فيه شيء من الصحة¡ لكن بعض المعلقين يتجاوز الحدود ويمارس دورًا غير دوره¡ ويعلق بطريقة مبالغ فيها شكلاً ومضمونًا¡ ويساهم بدون قصد في موضوع التعصب. أعرف أن بعض مشاهدي المباريات عبر التلفزيون يضطرون إلى مشاهدتها بدون تعليق ليس بسبب الصراخ وعدم التوقف فقط¡ وإنما يضاف إلى ذلك عدم الحياد.
حين أشاهد مباريات الدوري الإنجليزي ألاحظ أن الصوت الأعلى لأهازيج الجمهور¡ أما التعليق فيتشارك فيه اثنان يتحدثان بهدوء وبشكل غير مستمر¡ ويتحاوران حول بعض اللقطات¡ ويركزان على الملعب والجوانب الفنية وليس غير ذلك.
أخيرًا¡ حل مشكلة التعصب مسؤولية تربوية واجتماعية تتحقق بتكامل جهود جهات مختلفة. البداية تكون بتبني الأندية مجتمعة لسياسة محاربة التعصب¡ وإدارات الأندية يجب أن تكون قدوة في هذا المسار. أما دور وزارة الإعلام فهو دور تنظيمي ونظامي وتطويري¡ ويجب النظر إلى الإعلام الرياضي كواجهة حضارية ونافذة بيننا وبين العالم. هذا يتطلب أن يكون الإعلام الرياضي تحت مظلة وزارة الإعلام. كما يتطلب أن يقوم مركز الحوار الوطني بدورين تثقيفي وتدريبي في هذا المجال.
التوعية مسؤولية المؤسسات التربوية والثقافية. ليس من المقبول رؤية أطفال صغار يرضعون حليب التعصب¡ ويبكون بمرارة لمجرد خسارة مباراة. ليس من الأخلاق تبادل الشتائم بين مشجعين يتصدرون المنصات الإعلامية¡ والمفترض فيهم التحلي بالروحين الرياضية والعلمية¡ وأن يكون لهم دور القدوة في هذا الشأن.




http://www.alriyadh.com/1776683]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]