في الثمانينات من القرن الماضي التفت نحوي أحد الأصدقاء ممن أسهم في حركة الحداثة الشائعة آنذاك قائلاً إن المجتمع السعودي انقسم بين حداثي وبين تقليدي.
في تلك الأيام كانت حركة الحداثة في أوجها¡ عندما تفتح أي صحيفة سعودية ستجد أن الصفحات الثقافية أصبحت أربع صفحات تحت سيطرة الحداثيين وإذا لم تكن تحت سيطرة المحررين الحداثيين فشغلها مهاجمة الحداثة والحداثيين¡ كانت الصحف الورقية إلى جانب التلفزيون المحلي هي الوسائل الإعلامية الوحيدة آنذاك¡ لا يوجد ما ينافس هاتين الوسيلتين شيئاً¡ كل صحيفة من الصحف وخصوصاً الصحف الكبرى كالرياض توسعت بشكل سريع¡ أربع صفحات ثقافية¡ أربع صفحات رياضية¡ أربع صفحات دينية¡ وصفحات اقتصادية واجتماعية¡ وتنوعت رسوم الكاريكاتيرات وزاد عدد المقالات والزوايا الصحفية وتضخم الإعلان.
عندما تدخل مجلساً يلتم فيه عدد من الأصدقاء سترى الجرائد منتثرة بينهم يقلبونها ويناقشون ما جاء فيها. كانت الصفحات الثقافية الحداثية أكثر الصفحات سخونة¡ فخصوم الحداثة وبروز التيار الديني المتشدد أعطى الحداثة زخماً أكثر مما تستحق. هذا التحدي من خصم قوي صاعد بقوة زاد من حماس الحداثيين وزاد أيضاً من عزلتهم. كان التيار الديني يقاتل على كل الجبهات ولم تكن جبهة الحداثة سوى واحدة من الجبهات وربما كانت الأقل قيمة¡ ولكن الحداثيين كحال الجميع لا ينظرون إلا للهجوم الموجهة عليهم. هذا الزخم أوهم صديقي الحداثي وكثيراً من الأدباء الشباب أن المجتمع انقسم بين حداثي وبين تقليدي¡ وزاد الأمر وهماً أن الحداثيين كانوا شللاً وأصدقاء منعزلين فأصبحوا لا يسمعون سوى صوتهم ولا يرون ما يجري في المجتمع على وجهه الصحيح.
فجأة وما أن دخل عقد التسعينات حتى انهار كل شيء. إذا أردنا الدقة لم ينتصر التيار التقليدي أو الصحوة ولكن حركة الحداثة لم تكن سوى عدد محدود من الشباب المتحمس الثائر المقلد للحركات العربية الأخرى والأهم أن الحداثة كانت مجرد ضجة على صفحات الجرائد وشلل في البيوت صاحبها إنتاج فكري وإبداعي هزيل.
ذاك الذي حدث في الثمانينات مع الحداثيين كأنه يريد أن يتكرر اليوم على صفحات تويتر¡ عدد من السعوديين نقلوا فرشهم ومجالسهم وافترشوا تويتر. في أي وقت تدخل على تويتر ستصادفهم هناك. يناقشون ويتناقشون. في تغريدة واحدة يحسم مشكلة البطالة في المملكة¡ وفي تغريدة تالية يقدم اقتراحاً للكونغرس الأميركي¡ وفي التغريدة الثالثة يطربك بأغنية لنصري شمس الدين رحمه الله ثم يكمل بتغريدة أخرى بحكمة قالها بيل غيتس أو ستيف جوبز. على إثر هذا ظهر وهم عظيم عند هؤلاء أن تويتر أصبح منبر الوطن والمواطنين¡ ووهم آخر أن ظن هؤلاء أنهم أصبحوا قادة الرأي وموجهي الأمة.**الوهم الأعظم أن بعض المسؤولين صدق ذلك.




http://www.alriyadh.com/1776954]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]