في القرن السابع عشر الميلادي كان كل من يتعاطى التمثيل مُحرّماً عليه أن يدفن في مدافن المسيحيين¡ فقد كانت الكنيسة الكاثوليكية تعتبرهم كائنات شريرة تسيء للأخلاق العامّة¡ لهذا اختفى ممثلون ومسرحيون خلف اسم مستعار لحماية سمعتهم¡ وشرف أسرهم الذي قد يلحقه العار. هذا بالضبط ما جعل مؤسس المسرح الفرنسي جان باتيست بوكلان يختار "موليير" اسماً فنياً له¡ عاش به إلى أن مات عن عمر 51 سنة بمرض السل¡ وقد رفضت الكنيسة أن تدفنه إلا بعد وساطة ملكية للملك لويس العاشر¡ فدفن ليلاً في مقابر كانت تخصص آنذاك لدفن المنتحرين.
نفس المصير لقيه فولتير (فرانسوا ماري آروييه) الذي انتقد مفاسد الكنيسة¡ فظلّت جثته تنتظر الرحمة الإلهية لعدة أيام بعد أن رفضت أن تدفنه في مدافنها حسب الشعائر الكاثوليكية¡ فتم تحنيطه وأخرج من البيت على أساس أنه لا يزال مريضاً ودفن في مقاطعة مجاورة¡ وقد عبث أنصارها برفاته¡ قبل أن تتغير طريقة التفكير في فرنسا¡ وتبزغ الأفكار التبشيرية بالثورة¡ فيعاد دفنه في مقبرة العظماء "البانتيون" بالطريقة التي تليق به مع جنازة مهيبة¡ فقد اُعتُبِر من أهم من نشروا الوعي لإيقاظ العقل الفرنسي والقيام بأعظم ثورة في القرن لاستعادة الحريات.
في تلك الأيام كان المسرح يعيش أيامه الحالكة¡ ليس كنتاج بل كمعاناة من طرف المسرحيين¡ ككتاب وممثلين.
فقد كانت الفضيلة والمثالية رداءً يتخفّى به الجميع¡ لم تتصدّ له حتى المحاكم التي جلدت أبناء الطبقة المعدمة¡ إلاّ أنّ المسرح فعل ذلك¡ وقد شُوِّه في زمانه كثيراً لمحاربته¡ والقضاء على رواده.
بعد قرنين من الزمن يدخل المسرح إلى العالم العربي¡ بعباءة موليير نفسه¡ حين نقل مارون النقاش مسرحية "البخيل" إلى الشام¡ ولن يتوقف هنا¡ بل سيبسط جناحيه على العالم العربي شيئاً فشيئاً¡ حتى في الدول التي تعرّضت للاستعمار مثل تونس والجزائر والمغرب¡ حيث كان المسرح ممنوعاً على الطبقات الشعبية مخافة إيقاظ وعيها¡ باعتباره جزءاً من التعليم الممنوع أيضاً عليها¡ وقد تكوّن على شكل حركة نضالية سرية¡ لكنّها فشلت في البداياتº لأنها خاطبت المجتمع بغير لغته¡ وليس من باب احتقار المسرحي¡ فقد تعوّدت شعوب الشمال الإفريقي على العروض الشعبية المرتبطة بمسرحة الحكاية في المقاهي أو الحلقات المنتشرة آنذاك في الأسواق الشعبية¡ والتي تروي قصصاً شعبية متوارثة مُرافقة بالدق على الدف والعزف على الناي وأداء أغانٍ فيها من الشعر ما يكفي لإثراء تلك العروض.
لكن المسرح الحقيقي ارتبط بالوعي¡ وظلّ كذلك¡ كما ظلّ رجال المسرح هدفاً لأعداء الوعي إلى يومنا هذا.




http://www.alriyadh.com/1779229]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]