«الآن وقد ظهرت ليلا بكل جلاء¡ عليّ أن أسلم أمري لفكرة أني لن أراها أبداً»
(إيليان / لينو)
***
على مدى طويل بلغ أربعة مجلدات تربعت رباعية نابولي للروائية الإيطالية - إيلينا فرانتي - موشومة بعناوين¡ صديقتي المذهلة¡ البحث عن اسم جديد¡ الهاربون والباقون¡ حكاية الطفلة الضائعة¡ وكل عنوان استولى على صفحات تتراوح بين خمس مئة / ست مئة صفحة من القطع المتوسط¡ ولغزارة عدد الصفحات كان الفعل الجاذب للتواصل مع الأحداث التي حصرتها الكاتبة في مدينة نابولي كبؤرة أساسية للانطلاق إلى آماد بعيدة بواسطة الترحال / الأسفار¡ كما في شخصية إيليان / لينو¡ التي أكملت دراستها الجامعية واتجهت للكتابة حتى اشتهرت كاتبة ترجمت أعمالها لعدد من اللغات غير الإيطالية¡ أو صديقتها ليلا / لينا التي تجذَّرت في الحي ولم تبرحه ولكنها كانت تنقِّب وتنقِّر في معالم المدينة التي تقطن بها والتي شهدت ولادتها فترعرعت فيها تتعلم من الوقائع والأحداث تاركة الدراسة المنتظمة لتتلقى التعليم من مدرسة الحياة التي مكَّنتها من أن تُعِين صديقة الطفولة إيليان الكاتبة بالأفكار والحكايات التي كانت كما العناصر لكتاباتها بشكل تسلطي ينبع من شخصيتها القيادية التي استلمت لها بالمقابل صديقتها منذ الصغر حتى الشيخوخة التي كانت فيه شخصيتاهما تتماشيان على خط يوهم بالتوازي الذي يتحول في حالات إلى قوسين متقابلين يبدأان بالتقارب ثم يكون الانفراج التباعدي ليتكامل القوسان ثم في تقارب أخرى تجيء حتمية لكي يتقارب القوسان بالتقابل¡ فليليان تروي حكاية ليلا¡ وليلا تحكي للشخصيات التي تنقل لليليان التي بدورها تخترق بقوة الحدث لكي تتكامل الصورة المرئية بوضوح¡ وتمر الرواية في أحداثها منذ أن كانتا صغيرتان تلعبان بالدميتين اللتين قذفت كل واحدة منهما بدمية صديقتها وهما تلعبان بهما عند باب سكنهما¡ وعوضهما أحد السكان بليرات كانت لإرضائهما لشراء بديل لما فقدتا ولكن كانت اليرات من نصيب مكتبة كقيمة رواية (نساء صغيرات) قرأتاها الصديقتان وتخيلتا نفسيهما كاتبتين تحصلان على الشهرة والمال¡ وكتبت ليلا «الساحرة الزرقاء» وأهملتها غير مكترثة بها¡ ولكن الأحداث تتشعب وتدخل السياسة بالاقتصاد¡ والجنس¡ والخيانة¡ والنجاح والفشل¡ وتتكون شخصيات أخرى تدخل مدارات الأحداث¡ موت / حياة¡ وكوارث طبيعة¡ ولكن حال الصديقتين في تباعد وتقارب¡ لم تستطيعا الفكاك من بعضهما¡ بالرغم من الاختلاف المزاجي بينهما¡ ولكن هناك ما يربط روحيهما ببعض حتى النهاية بخيط قوي لا يفسر ولكن ظلاله تشير إليه في بعض المواقف¡ فالكاتبة الجامعية تكتب¡ وصاحبة الابتدائية تغوص في التاريخ¡ وتقفر بسرعة متناهية إلى الحاضر عمليا حيث تمكنت بالممارسة والدورات التي فرضها عليها رفيق دربها أن تتمكن من التعامل مع أجهزة التواصل الحديثة فكانت بارعة في الكتابة والهندسة لأجهزة الكمبيوتر¡ حتى أن الكاتبة تلجأ إليها لكي تساعدها¡ ولتعلم ابنتيها مع ابنها الكيفية بالتعامل مع الأجهزة الحديثة بكفاءة¡ ففي التباعد والتقارب لذة سردية تجسد بعض الأحدث التي تدعو إحداهما أو كلتاهما إلى التنافر ولكن سرعان ما يتكوم حدث ويتكور لتسارع أحداهما لمساندة أو الاستعانة برفيقة دربها¡ وغالبا أو لا بد من إيجاد حل للحادثة أو الأحداث¡ ثم يكون التقارب الذي لا يبتعد حتى يعود مجللا بالتقارب النفسي بين إيليان وليلا¡ من الطفولة حتى مرحلة الشيخوخة¡ وتكون نهاية غامضة باختفاء ليلا التي كانت تتوهم أن ابنتها (تيتا) التي فقدتها صغيرة خطفاً أو موتاً كما يقولون¡ غير أنها تنتظرها بأخيلة متباعدة / متقاربة¡ ولكن دون نتيجة مؤكدة¡ وفي اختفاء الأم إيليان تسدل الرواية الرباعية ستاراً قاتما على حدث كان ضمن أحدث كثيرة كشفت عن مكنوناتها غير أن حدث غياب الابنة المفقودة خطفها¡ وغياب أمها أخيرا أعطى الستارة عمقا أكثر من القتامة والسواد الداكن.
رواية تستحق الصبر لكي تقرأ¡ فيها القديم والجديد واستشراف القادم الذي يحتمه واقع الحياة¡ مما يشير إلى القدرات التي يتوجب أن يكون المتصدي لكتابة رواية على قدر كبير من الثقافة أو الثقافات المتنوعة¡ وأن تكون الجدية في احترام الجودة المتأتية من الصدق الفني الذي يعنى بالعمل لكي تكون الرواية شاملة ومقنعة.
*الرواية صادرة عن دار الآداب اللبنانية
¡ بترجمة رائعة لمعاوية عبدالمجيد




http://www.alriyadh.com/1780397]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]