يمكنني القول إنني عايشت - وعلى مدى نصف قرن تقريباً - كافة أطوار البرد في مدينة الرياض¡ فحين كانت الرياض قليلة السكان كان بردها كما يقولون "يقص المسمار"¡ كنا نخرج على ملل من تحت الأغطية السميكة¡ لنجد الماء متجمداً في أوانيه¡ بل إننا سمعنا عن أكثر حالات البرد قسوة¡ والتي ساهمت في وفاة حارس أمن داخل كابينة الحراسة¡ وعن أسر قضى عليها البرد¡ ومزروعات دمرها الطقس القاسي¡ ولم تكن وسائل التدفئة الحديثة قد انتشرت في ذلك الوقت.
كانت وسائل التدفئة مقتصرة على شبة النار¡ وقد ساهمت هذه الشبة في اختناق أسر كاملة¡ لم يكن أحد يدرك أضرار شبة النار¡ فقد كانت تعتبر عودة لتراث الصحراء المجيد دون إدراك أن وضع الصحراء المفتوحة غير وضع المدن وبيوتها المغلقة التي قد تكون محوطة بالصحراء¡ كانت ربطات الحطب وأكياس الفحم التي تعرض على نواصي الشوارع من أبرز ملامح البرد¡ وكان للحطب والفحم أسماء وأشكال ودرجات وأسعار¡ مع أنها جميعاً سوف يصب عليها الغاز ويلقى إليها عود الكبريت ليتصاعد دخانها ولهبها متخللاً الملابس والعيون والأنوف دون رحمة¡ وسبباً أو مساعداً على نشوء أزمات صحية لا تطل برأسها إلا مع الشتاء.
هذا الطقس القاسي كانت له وسائل ومعالم ترحيبية¡ فله كبسة البر والحليب بالهيل أو الزنجبيل¡ يأكل الناس ويشربون ويبحلقون ويعطسون دون أن يقول لهم أحد شيئاً عن أضرار الوسائل التي يتبعونها لتفادي البرد أو التقليل منه!
ورغم هذا البرد الذي أراه قاسياً¡ فإنني واجهت وسمعت من يمتدح البرد في الدول الأوروبية¡ وهو برد فررت منه مع أول تجربة¡ لكن من عاش هناك يجد بردهم رغم قسوته أكثر جمالاً وألقاً من بردنا¡ لماذا¿ لم أسأل وإذا سألت فإن من يمتدح البرد الأوروبي لن يجد جواباً¡ إلا أن تلك البلاد رطبة أو محاطة بالشواطئ والطرق ووسائل نزح الثلوج¡ ما يجعل بردها مأموناً! لكن البرد هو البرد¡ في الرياض والجوف وتبوك¡ والقاهرة ودمشق والأردن¡ والدول الأوروبية وروسيا وغيرها¡ الجو البارد موجود في كافة الدول¡ الفارق هو في المدة أو الوقت الذي يقضيه هذا الضيف الثقيل!
أتعجب غاية العجب من الذين يحتفلون بالبرد¡ فيعدون له العدة قبل أن يطرق الأبواب ببرامج ارتياد الصحراء والملابس الشتوية والمأكولات والمشروبات¡ أحس أن الأجواء الباردة تشل تفكيري وتحد من حركتي¡ عكس الصيف¡ خصوصاً إذا كان خفيفاً رشيقاً ليس مثل صيف المدن الرطبة القاسية الرطوبة.. الصيف لحاف الفقير ولحافي!.




http://www.alriyadh.com/1795600]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]