حينما ابتُعث المصريون أمثال (الطهطاوي, وطه حسين, وإبراهيم أنيس, وعبدالرحمن أيوب, وكمال بشر, وحامد طاهر) وغيرهم¡ عادوا وأحدثوا ثورة ثقافية وأدبية ملموسة¡ بل غيروا مجريات المشهد الثقافي, والأدبي, والنقدي تغييراً ملحوظاً¡ ليس على المستوى المصري¡ بل على مستوى الوطن العربي¡ وكان لبعضهم أثره البين في التأسيس لأركان الرسالة¡ والمقالة¡ والقصة¡ والرواية بمفهوماتها الحديثة¡ سواء على الصعيد الإبداعي أم النقدي.
واليوم تحمل وزارة الثقافة السعودية على عاتقها هذا الهم¡ وترنو إلى التأسيس لمجد ثقافي عريض, تبدأ جذوته من عاصمة الحب (الرياض) ليعم بعد ذلك أرجاء المملكة العربية السعودية¡ وليصل مداه آفاقاً عالمية¡ وليست سعودية أو عربية فحسب. وسوف يصبح الحلم حقيقة, وسيصدق الذين كانوا لا يتخيلون أن تكون البعثات في مجال الآداب والفنون, نعم سيرون بأم أعينهم أن الابتعاث لن يكون حكراً على العلوم الإنسانية, أو التطبيقية, وستتغير نظرة أولئك الذين كانوا يستغربون الابتعاث في المجالات الثقافية.
إن لدينا كثيراً من النماذج السعودية التي أحدثت بعد ابتعاثها نقلة نوعية في مجال الأدب والنقد¡ بل أصبحت بعض تلك النماذج علامات فارقة يشار إليها بالبنان¡ حتى على الجانب الإبداعي, فإن بعض النماذج السعودية التي درست في الخارج, وتأثرت بتلك البيئات حملت معها شعلة متقدة في مسلكها الإبداعي حتى صارت تنافس في الجوائز العالمية¡ وترجمت بعض أعمالها إلى لغات مختلفة (محمد حسن علوان أنموذجاً). إن الابتعاث الثقافي اليوم لا بد أن يضارع الابتعاث الطبي الذي تضطلع به وزارة الصحة¡ والابتعاث الصناعي الذي تقوم به وزارة الصناعة¡ وهو اليوم كفيل بأن يصنع لنا نماذج أخرى كثيرة تكون أكثر تخصصاً وعمقاً في شتى المجالات الثقافية.
والفرصة الآن في اعتقادي مواتية لصنع (ماركات) سعودية مسجّلةº (ماركات) ثقافية منشغلة بالآداب والفنونº لتستطيع النهوض بالهم الثقافي الجديد, ولتظهر لدينا قامات ثقافية متخصصة ومحترفة¡ وليست هاوية فقط¡ تماماً كما هو الحال في مجال كرة القدم. وأعتقد أن وزارة الثقافة اليوم عندما أحدثت تغييراً جديداً في عزمها على نظام (الابتعاث الثقافي) قد أعطت الثقافة حقها من الحظوة والتميز والتجدد¡ لا سيما في ظل وجود البنية الثقافية الملائمة في المملكة العربية السعودية والمتمثلة في الأندية الأدبية¡ والمراكز الثقافية¡ وجمعيات الثقافة والفنون¡ وأظن أن هناك جهات أخرى كثيرة سوف تستفيد من هذا النظام الجديد الذي وضعته وزارة الثقافة¡ وبمعنى آخر سوف تستطيع هذه الوزارة الطموحة الاكتفاء بذاتها, ربما تقوم بإمداد جهات أخرى قد تستفيد منها, كهيئة الترفيه¡ وهيئة الرياضة¡ والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني, والهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات, ومواسم السعودية, ونحوها من الجهات التي تدعم هذا التوجه الثقافي الجديد.




http://www.alriyadh.com/1796963]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]