«أنا قصيدة محبوسة تتلمَّس كالأعمى طريقها سعياً وراء الذات والعالم المحيط¡ دون وصول أكيدٍ إلى تلك الأنْتِ الخفيّة»
( هيلينا بوبيرغ)
***
الإنسان بطبعه يميل للبوح بمكنوناته الذاتية لسواه في عملية تواصل إنساني تعطي للحياة معنى التعامل بين البشر¡ فكانت الإشارة ثم الصورة¡ ليبرز بعد ذلك الحكي الذي في تطوره صار قصاً وشعراً¡ بتلقائية عمت الطرفين¡ وفيما الحياة مستمرة في دفع عجلة الاكتشافات والنماء والتطور حسب ما يسرد التاريخ في المحفوظ منه¡ وأما ما لم يدون ويتدارك فهو ضحية النسيان حيث ذرته الريح وكأنه لم يكن له حدوث.
مع الانبساط في التمدد الحياتي وتعدد اللغات¡ وتنوع المتطلبات الشخصية مما يحافظ على صورة الإنسان الذي استخدم اللغة بلسانه في شتى المعمورة¡ كان القص/الشعر¡ يستمع الناس للحكايات كما يطربون للأشعار¡ ونحن في الراهن نستمتع بالشعر وكذلك الرواية¡ وخاصة من استولت عليه حالة الهوس القرائي»الببلومينا» من الصغر أو الكبر¡ فصار المهتمون بالتناول الفاحص لما يقدم من شعر/ رواية تكون لهم حالاتهم الخاصة في الميول إلى أحد الفنين الممارسين إبداعاً¡ فكان منهم من هو في صف الشعر ومعطياً براهينه التي تأتت بالقناعة إليه¡ وكذلك صار من يرى الرواية هي الأحق¡ لتكون المناظرة بين أي الزمنين نحن إبداعياً في الراهن هل هو زمن الشعر أم زمن الرواية¡ وقد كتب الكثيرون حول هذه المفاضلة التي هي مجرد آراء شخصية تنبع من الذات حسب مكتسباتها وقدراتها وحالاتها الذوقية والمزاجية.
كتب الشاعر/الناثر أدونيس كتاباً عنوانه (زمن الشعر) تطرق فيه إلى مكانة الشعر الكونية ومتطلباتها حسب رؤيته الخاصة في فترة كانت تحتفي بالشعر والشاعر¡ وكان التوجه إليه فائضاً غامراً ومطلباً للمتلقي والمبدع المبتدئ والمتطلع إلى التخطي والتجاوز كما هو المتمرس¡ وفي ما أرى أن الشعر لمّا يزل له مكانته بين الفنون الإبداعية وسيبقى في استمراريته فهو مرتبط بالحالة الفنية كرافد مساند يضفي ما يشبه الديكور في حال المسرح¡ وقد كان هو الهيكل والبناء¡ وهو في الرواية كما حبال الخيمة التي تشدها بالأوتاد¡ أو النوافذ والأبواب في البناء¡ ومن يتابع الروايات الصادرة مؤخراً¡ وبعض السابقات يلاحظ الاقتباسات/الاستشهادات الشعرية في حالات تستدعى لها لكي تكمل الصورة¡ فشخصية شاعر أو مغنٍ/ية أو عاشق/ة¡ وحتى محارب متحمس¡ يستشهد بأبيات أو مقاطع شعرية¡ ففي التداخل بهذه الطريقة ما يعني أن الفن بمعنى هو واحد ولكن هذا الواحد يَمْثُلُ كجسم حي متحرك له كما للإنسان من أطراف في أعضاء التكامل الجسدي¡ فزمن الرواية كقول الناقد المستنير جابر عصفور¡ كان عابراً ولم يؤلف فيه كتاباً مستقلاً¡ وإنما قال ذلك عبر لقاء صحفي عابر مشبهاً هذا الراهن الذي كثرت فيه الإصدارات الروائية في عالمنا العربي التي عززها الواقع بحصول الروائي الحصيف المحنك نجيب محفوظ على جائزة (نوبل) وما تبع من جوائز فردية وثم الرسمية¡ وبالخصوص (البوكر) التي لها كثف فعلها في التحفيز والتشجيع على ممارسة كتابة الرواية سواء تجريباً أو احترافاً¡ فالإقبال الكتابي والقرائي له فعله في انتشار الرواية الحثيث المتسع.
لا يعني هذا أن زمن الشعر أو أن الشعر صار في دور الرافد أو المساند بل هو ركيزة أساس متمثلاً وماثلاً في جمع الفنون¡ وهو قائم بذاته فهو في حركة دائمة في استكشافه للآني واستشفافه للآتي وتجسيده للآمال في شرائح جمالية تلج إلى أعماق النفوس وتجسد التطلعات¡ والطموحات الإنسانية بعبارات جمالية وأسلوب ممتع¡ ومن هنا كان ولايزال قائماً وبارزاً إبداعاً من الشعراء¡ في الطرّب هو من الأساسيات الترفيه/التسلية¡ وبعث السرور في النفس الإنسانية¡ ومن خلاله تمكن بعض الحكماء أن يدخل من هذا المطلب النفسي لكون الإنسان يميل إلى ما يخاطب عواطفه ومن ثم يدخل إلى عقل الذي يقوم بدوره في فحص الأمور التي تدخل في المتطلبات الحسية/الروحية¡ ومن هنا يكون التكامل بالتمازج الذوقي الواقعي والمعنوي في عملية النظر إلى فعل التشارك والتداخل بين الفنون التي هي في الأصل جاءت من فن واحد حيث تكمل بعضها في إثراء وسرور الذات في «زمن الفن/الإبداع».
*لمحة/
الفنان مع الألوان أحمر أخضر أصفر.. إلخ.
أنا أحب الأخضر أنت الأحمر هو/هي الأصفر.
الفنان يحب الجميع لأنه لا يرتاح إلاّ لها جميعها في أعماله فهو الأب الذي لا يفرق بين أبنائه.




http://www.alriyadh.com/1798066]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]