ذكرت في المقالة السابقة ثلاثة انحيازات إدراكية يقع فيها الكثير¡ وهي انحيازات تؤدي إلى بناء تصورات غير واقعية وقرارات خاطئة. وقد تبلور التصور عن الانحيازات الإدراكية بناء على دراسات في مجال الاقتصاد السلوكي تنظر إلى القرارات الاقتصادية باعتبارها متأثرة بحالة متخذ القرار النفسية وما يؤثر في إدراكه من مؤثرات اجتماعية وثقافية. ومن أجل حماية متخذ القرار من الوقوع في الانحيازات الإدراكية¡ عليه أن يدرك أن اختياراته لا تبنى على مقدمات عقلانية بالضرورة.
فمن أبرز الانحيازات الإدراكية التي تؤدي إلى اختيارات غير عقلانية في المجال المالي هو الميل نحو بيع الأصول المربحة والإبقاء على الأصول الخاسرة. يمكن أن نفسر هذه الظاهرة بوجود نفور من الخسارة يؤدي في حالة الربح إلى الاستعجال في البيع هروبًا من خسارة المكاسب المتحققة¡ وعدم البيع بإبقاء الأصول الخاسرة أملاً في تعويضها مستقبلاً. تحت تأثير الخوف من الخسارة¡ يتصرف الأفراد عكس ما هو متوقع منهم لو كانت اختياراتهم عقلانية. فإن القرار العقلاني يتطلب عادة الإبقاء على الأصول الرابحةº حيث إنها مرشحة للنمو¡ والتخلص من الأصول الخاسرةº لأنها مرشحة للتدهورº أي أن النفور من الخسارة يؤدي إلى دفع متخذي القرار إلى التصرف تحت تأثير البديهة¡ وهي في هذه الحالة غير عقلانية.
نتيجة للنفور من الخسارة¡ فإن الجهد الذي يبذله متخذ القرار لتحاشي الخسارة أكبر من الجهد الذي يبذله لتحقيق مكسب وإن تساوت النسبة. سبب ذلك أن للخسارة وقعًا أشد على النفوس من الربح بمقدار الضعف. فلو خُير متخذ القرار بين خسارة مئة ريال أو ربح مئة أخرى¡ فإنه سيسعى إلى عدم خسارة المئة على حساب ربح مئة إضافية لو لزم الأمر. وبالنظر إلى ما يعني اكتشاف هذه الظاهرة¡ سنجد أن لها تطبيقات واسعة لتوجيه قرارات الأفراد بناء على حقيقة النفور من الخسارة. ففي دراسة قام بها الاقتصادي دانيال بتلر درس فيها أثر زيادة السعر وخفضه على طلب إحدى السلع الاستهلاكية على مدى عدة سنوات¡ وجد أن رفع الأسعار عشرة بالمئة أدى إلى انخفاض الطلب 7 في المئة¡ أما خفض الأسعار بعشرة في المئة فقد أدى إلى زيادة في الطلب 3 بالمئة فقط.
نتيجة للانحياز نحو عدم الخسارة¡ فإن متخذ القرار مستعد للدخول في مخاطرة لتجنب الخسارة وليس على استعداد للقيام بمخاطرة مماثلة ليحقق ربحًا. نتيجة لذلك¡ فإن متخذ القرار مستعد للتنازل عن أرباح كبيرة غير مضمونة في المستقبل من أجل الحصول على ربح قليل مضمون اليوم¡ بل إن النفور من الخسارة يفسر فاعلية بعض الإجراءات كالعقوبات التي لها تأثير أكبر مقارنة بالمكافآت في بعض الحالات. من أجل ذلك¡ يتضح لنا أن متخذ القرار بحاجة إلى معالجة النفور من الخسارة بأدوات تعيد التوازن النفسي بين الخسارة والربح.




http://www.alriyadh.com/1802048]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]