يميل بعض الشعراء إلى تسمية قصائدهم بأسماء ذات دلالةً على القوة والإبداع والتميز بحسب غرض القصيدة أو موضوعها¡ وبرزت ظاهرة تسمية القصائد والأبيات بأسماء¡ أو وصفها بأوصاف¡ تدل على القوة أو العنف في معركة النقائض بين جرير وفرزدق والأخطل¡ وقد نبّه الدكتور عمر الإمام إلى مسألة مهمّة وهي أن اختيار تسميات محدّدة مثل «الدّمّاغة» أو» النذيرة» أو «الشنعاء» أو «المنصورة» أو «المضرّة» في تلك المعركة الهجائية من أهم «ضمنيات» وعي الخطاب الهجائي الذي «ينهض بوظيفته الفنية الفاعلة في المهجو على النحو الذي يُكسب القصيدة المسمّاة ما يوحي بقوّة طاقة أذيتها المحققة للهجاء».
ومن التسميات التي استعملها شعراء العامية وشعراء الفصحى لبعض القصائد اسم «القصيدة المحظوظة»¡ وهي تسمية غير شائعة ربما يكون الشاعر عمر بهاء الدين الأميري (تـ1992م) من أشهر من استعملها¡ فقد ذكر الدكتور محمد حسان الطيان أن الأميري كان يسمي قصيدته الشهيرة «أب» القصيدة «المحظوظة»¡ وهي القصيدة التي يقول مطلعها:
أين الضجيج العذبُ والشغبُ¿
أين التدارسُ شابهُ اللعبُ¿
وسبب تسميتها بالمحظوظة هو أنها نالت شهرة واسعة¡ وأشاد بها كبار النقاد كمحمود عباس العقاد وغيره وعدوها من عيون الشعر العربي¡ إضافة إلى ترجمتها وعرضها في البرامج ونشرها في المجلات والكتب المدرسية. لذلك فهي محظوظة وجالبة للحظ!
وصف قصيدة معينة بأنها قصيدةٌ «محظوظة» قد يكون وصفاً مسيئاً أو سلبياً في نظر بعض الشعراء¡ فالنجاح¡ بالنسبة لهم¡ هو نتاج موهبة فذة أبدعت نصاً شعرياً مميزاً ومختلفاً عن السائد وجديراً بالإعجاب والانتشار. وفي المقابل ثمة فئة من الشعراء تؤمن بأن الحظ عاملٌ مهم قد يساعد في نجاح القصيدة وانتشارها أو يساهم في إخفاقها أو تلقيها بما لا يتناسب مع حجم الإبداع فيها والجهد المبذول في نظمها. ومن بين الشعراء الشعبيين الذين استخدموا وصف «القصيدة المحظوظة» الشاعر يحيى المحيريق الذي كتب في مجلة (اليمامة) توضيحاً حول قصيدته التي يقول في مستهلها:
تنحّت بي الصدفة وكف القدر مجهول
وجيت المكان اللي زرع فيني الحسره
بعد غيبةٍ تاريخها اليوم سابع حول
فراقٍ طويل يعيننا الله على صبره
وذكر في التوضيح أن قصيدته¡ التي تُنسب لشاعرٍ غيره بالخطأ¡ كانت «محظوظة» لأنها نُشرت في أكثر من مجلة معروفة¡ وألقاها في برامج شعرية¡ وتغنى بها أحد الفنانين¡ كما حظيت بإشادة من الشاعر الكبير مرشد البذال رحمه الله. ومن الطريف أن توضيح المحيريق يُنبهُنا إلى ضرورة وجود اسم آخر مضاد هو «القصيدة المنحوسة» يُشار به إلى تلك القصائد التي تتعرض للسرقة أو لنسبتها لغير مبدعها الأصلي¡ أو يُحتفى بقصائد أقل منها على حسابها¡ أو تتعرض أبياتها أو ألفاظها للتحريف ويساء فهمها من المتلقين.
ويبدو أنه لا يمكن إنكار وجود قصائد وأبيات ودواوين محظوظة¡ كما لا يمكن نفي وجود شعراء محظوظين بالحصول على شهرة واسعة بقصائد متواضعة إذا ما قورنت بقصائد شعراء مبدعين لم تحظ بشيء من الشهرة رغم جمالها وجدارتها بالضوء.




http://www.alriyadh.com/1802308]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]