الدلالة الثقافية والرمزية التي يمكن استخلاصها من وجود الأماكن التراثية والتاريخية بالمملكة -على تنوّع تضاريسها وأفضيتها- لا يمكن تجاوزها أو النظر إليها مواقع عادية لا تحمل قيمة معنوية ورمزية¡ ذلك أنها محرّك مثير للمخيال الأدبي والثقافي الذي يمتح من فضاء ثريّ ومتنوّع وخصب.
وتزداد هذه الأهمية للمواقع التاريخية والتراثية تبعاً للوعي المتزايد بقيمتها وأثرها في تشكيل الذاكرة الجمعية والهوية للمكان والإنسان سيما وأن الثقافة في بلادنا تشهد نموّاً ملحوظاً يمكن قراءته واستشعاره عبر البرامج والمبادرات والتشريعات المختلفة التي يحظى بها هذا القطاع في شتى حقوله¡ نموّ يؤكّد تموضع الثقافة والفعل الثقافي بشكل مبهج يشي بأنّ الثقافة باتت مُعطى حضارياً يقع في قلب اهتمام واستراتيجيات وطننا الكبير والفسيح بموروثه وتاريخه.
الكتابة عن الأماكن التاريخية والتراثية وخصوصاً تلك التي تحتضن فعاليات ثقافية وفنية متنوعة وجاذبة¡ يمكن أن تندرج ضمن ما يُسمّى بالجغرافيا الثقافية¡ حيث يأخذ المكان أهميته من كونه يُبرز هذه الجغرافية ويقرأ دلالاتها انطلاقاً من القيمة المعرفية «الأبستمولوجية» للمكان ودورها في تشكيله¡ على سبيل المثال لا الحصر -العُلا- التي تحتضن مهرجان شتاء طنطورة¡ بما يمثله من عامل جذب واستقطاب للسياح وعشّاق التراث والباحثين في التاريخ والحضارات¡ فالعلا تشكّل ملتقى الحضارات¡ فقد عُرفت منذ العصور القديمة بأنها مفترق طرق شهير يقع على طول طريق البخور التاريخي¡ يحوي واحات خصبة¡ وحدائق طبيعية هادئة¡ فضلاً عن التشكيلات الصخرية الخلابة¡ والحياة الفطرية المحلية المتنوعة.
نخلص من هذا إلى أن الجغرافيا الثقافية لا يقتصر دورها على دراسة معيش الأمم وطرق لباسهم وإنما يتجاوز ذلك إلى إيلاء النظرة الاعتبارية للعالم وأنظمة اعتقادها وطرقها المختلفة لفهم العالم وكذلك الأفكار والممارسات والأشياء التي تشكّل معاً الثقافات وبالتالي تشكّل الهويّات التي من خلالها يتعرف الناس على أنفسهم وعلى الآخرين.
ومن هنا ندرك أهمية أن نعيد للجغرافيا تحديداً قيمتها واعتبارها لتعوّض مرحلة الجفاف التي منيت بها الجغرافيا كحقل معرفي من خلال موقعة الأماكن في مكانها المركزي في قلب اهتمام الثقافة.




http://www.alriyadh.com/1803592]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]