حين سألني هل أكره الشعر¿ ارتبكت¡ كيف أكون صادقة أمام شاعر وأخبره بكامل قواي العقلية أن علاقتي بالشعر كانت قلقة منذ بواكير عمري¿ وأني أحب الشعر وفق ذائقتي المشوهة منذ عمر الـ13¡ وأني لا أستلطف الشعراء¡ وبتعبير أكثر صدقاً لا أحبهم¡ كما أجتهد لبناء سور عالٍ بيني وبينهم حتى أتفادى مزاجيتهم¡ وغرورهم العالي الوتيرة¡ لأنه جارح أحياناً.
هل عرفتم شاعراً متواضعاً¿
لكل شاعر "أنا" متضخمة¡ تجرّه أحياناً إلى المهالك دون أن ينتبه¡ حتى أولئك الذين يدعون التواضع¡ ينزلقون في إغواءات الشعر¡ فيتصرفون بنوع من التعالي على الآخرين..
حتى الخنساء حين بكت صخراً¡ وأخلصت في شعرها لذكراه¡ تعالت على الجميع بحزنها¡ وكأنّها وحدها فقدت أخاً¡ وكأن حزنها لا يضاهيه حزن في الدنيا¡ هي التي عاشت في زمن¡ تقضي فيه الحروب¡ والأمراض على الناس مثل الحشرات..
في زمني الباكر¡ كان أستاذي العراقي جابر - لا أدري إن كان حياً أو ميتاً¡ طيب الله ذكراه - كان يعطينا قصيدة طويلة من الشعر الجاهلي لنحفظها¡ ونعربها كلمة كلمة¡ وأي غلطة كانت تكلفنا ثمناً غالياً.
وإن كان هناك شيء أسّس لعلاقتي بالشعر العربي في طفولتي فهو الأستاذ جابر¡ بباروكته المربعة¡ ونظارته الكبيرة بحجم نصف وجهه¡ ولهجته العراقية التي ما كنّا نفهم منها شيئاً¡ غير بعض الكلمات¡ ما أجبره على التحدث معنا باللغة الفصحى نحن أهل الجبال الأمازيغ.
ورغم أني كنت تلميذة مجتهدة¡ إلا أن بعض القصائد التي فيها تلميح للغزل¡ كانت تخجلنا فلا نحفظها¡ فأي كلمة تحيل لمعنى فيه "حب" و"قلّة أدب" و"كلام مسخرة" كنا نقرر بشكل جماعي ألاّ نحفظها¡ فنمتنع جميعاً عن تسميعها¡ حفاظاً على "أخلاقنا السامية"¡ كان ذلك التمرد غير مفهوم عند أستاذنا القادم من الشرق الليّن الغضّ¡ هو الذي خاطب مرة شابة على صندوق الدفع في سوبرماركت صغير بعزيزتي فنفضته نفضاً بنظرة شرسة¡ وحذّرته من تكرار تلك الغلطة الفظيعة¡ أذكر أننا علّمناه كلمة "لالّة" و"أختي" ليتعامل بها مع النساء في بعض المؤسسات مثل المستشفى ومركز البريد وبعض المرافق.
كنا نسعد بشعر الهجاء¡ والرثاء وكل ما يخلو من أي تلميح عاطفي¡ حتى عنترة بن شداد حفظنا له بيته الشهير "وسيفي كان في الهيجا طبيبا * يداوي رأس من يشكو الصداع" لكننا صدمنا به وهو يذل نفسه أمام عبلة¡ في قصيدته الشهيرة "رمت الفؤاد مليحة عذراء" والتي غنتها صاحبة البحة الفريدة ومطربة القصيد العربي هيام يونس أطال الله في عمرها.
كان تمرّداً مبكراً على شعر الغزل¡ ويبدو أنّه ظلّ قابعاً في داخلي إلى يومنا هذا¡ كون الشعر أصبح كله غزلاً..!




http://www.alriyadh.com/1808856]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]