النفط قوة سياسية تتطلب الشجاعة والحكمة لكي تدار هذه الثروة¡ ومن يقيّم الطاقة النفطية في العالم في بعد اقتصادي يعتمد على الربح والخسارة فهو يضعها مثل القمح والأرز¡ وهذا خطأ استراتيجي¡ فمن يمتلك النفط بكميات هائلة يتحكم في دورتي السياسة والاقتصاد في العالم..
حتى عندما تنخفض أسعار النفط هناك من يقلق وهذا أمر طبيعي¡ ولكن الأهم دائما هو أن النفط لم يتم تجاوزه اقتصاديا في العالم¡ ولا يبدو أن المحاولات الساعية إلى إيجاد بديل مناسب للطاقة سوف تنتج بتلك السرعة التي يروج لها¡ فمازال العالم كله يدور حول النفط¡ ولن يكون البديل يخلق العالم الطاقة من طاقة قائمة¡ بمعنى دقيق لا يمكن أن تكون الطاقة الشمسية على سبيل المثال بديلا عن النفط بينما تعتمد مكوناتها على النفط¡ لذلك لن أؤمن أن بديل النفط ممكن ما لم يأتِ بديل مختلف وليس له علاقة لا من قريب أو بعيد بالنفط.
كل البدائل الاقتصادية في العالم مازالت تدور في فلك النفط والغاز وكل ما قد تحتاجه الدول التي تضع رهاناتها على الطاقة أن تستثمر بالبشر بطريقة ماهرة¡ توظف تلك الطاقة البشرية بشكل مميز¡ ومع أن هذه الإشارة ليس لها علاقة بموضوع المقال الذي أحاول أن أثبت من خلاله أن النفط مازال أهم مادة تجري في شرايين وعروق البشرية بسياستها واقتصادها.
أسعار النفط هي الأسعار الوحيدة في العالم التي ليس لها علاقة مباشرة بنظريات الاقتصاد القائمة على العرض والطلب¡ فالنفط قوة سياسية تتطلب الشجاعة والحكمة لكي تدار هذه الثروة¡ ومن يقيم الطاقة النفطية في العالم في بعد اقتصادي يعتمد على الربح والخسارة فهو يضعها مثل القمح والأرز¡ وهذا خطأ استراتيجي¡ فمن يمتلك النفط بكميات هائلة يتحكم في دورتي السياسة والاقتصاد في العالم¡ بل ويتحكم في خيوط ومسارات الفضاء الدولي واستراتيجياته¡ وخير دليل تلك التأثيرات التي تتركها أسعار البترول على العالم سواء في الاتجاه الهابط أو الاتجاه الصاعد.
المملكة دولة مؤثرة في العالم وفق عدة مسارات يأتي في مقدمتها ثروتها النفطية¡ وهي في مواجهة التغييرات الحاسمة دائما تتصرف كقوة سياسية مؤثرة دوليا¡ وهذا ما هو ثابت في المستند التاريخي¡ كما أن بداية القرن الحادي والعشرين أثبتت أن مفاهيم السياسية الدولية وتوزيع القوى لم تعد كما كانت¡ هناك دائما حاجة إلى التغيير وهناك دائما فرصة للصعود والتأثير¡ وأجزم أن السعودية تتهيأ لمثل هذه المرحلة¡ لأن المنافسة الدولية في هذا القرن لا تستخدم ذات الأدوات التي كانت سائدة في الماضي.
من الواضح أنه لا شيء يدوم للأبد في منطقة الشرق الأوسط ولكن الدول التي تمتلك التأثير المباشر لا بد من تفهم سلوكها السياسي¡ فمنطقة الشرق الأوسط تخنق الكثير من الدول في عنق الزجاجة وتستعد الدول الأكثر تأثيرا للخروج أولا والانطلاق في فضاء سياسي واقتصادي جديد لا بد أنه سوف يعمل على تغيير الكثير من القواعد في المنطقة لصالح القادرين على التصدي للواقع الجديد.
ما يحدث في عالم النفط اليوم في الإطار السياسي ليس منافسة محتدمة بين دول معينة¡ هذا التصور ليس دقيقا¡ لأن عالم النفط يمتلك مرجعياته القوية في العالم¡ وهي الدول التي يمكنها أن تغير المعادلات العالمية في مجال النفط وتصديره وصناعته¡ في مسيرة التاريخ النفطي دائما ما تقوم الدول ذات التحكم الأعلى بهذه الثروة بعملية تصحيح دقيقة لا يمكن لأحد القيام بها أو تنفيذها على أرض الواقع سوى من يمتلك تلك القوة الهائلة من التحكم السياسي في المسار الدولي للنفط.
النفط يثبت لنفسه في هذا القرن الحادي والعشرين أنه سوف يظل فاعلا وبشكل مؤثر وسوف يستمر مرافقا لتلك التحولات الدولية على أقل تقدير حتى نهاية هذا القرن¡ يبدو لي أن الواقعية السياسية الساعية إلى المحافظة على توازن القوى الدولية تعيد تشكيل ذاتها عبر وسائل مختلفة فتوازن القوى الدولية أصبح مساحة واسعة الكل يرغب في الانضمام إليها حتى من دون الحصول على المعايير المطلوبة لذلك الانتماء¡ فحتى الدول المتخلفة سياسيا مثل إيران ذات النظام الثيوقراطي أصبحت تصنف سياستها كجزء من توزان القوى الدولية.
النفط عالميا يعود للواجهة من جديد كقوة سياسية لا يستطيع إدارتها سوى من يمتلك تلك القوة¡ ليس بالكميات إنما بالمعايير السياسية والاقتصادية¡ وهذه العودة يجب ألا تقلقنا كونها تصحح المسارات سياسيا واقتصاديا في عالم يعاني مما يجعل الدول ذات العلاقة بهذه الطاقة تعمل على تكريس مكانتها في دائرة تأثيرات الطاقة السياسية على العالم¡ الأزمة النفطية العالمية لا يبدو أبدا أنها أزمة إنتاج أو توزيع وعلى الجميع تقبلها كونها انطلاقة استراتيجية مختلفة ستؤدي في النهاية إلى تصحيح الكثير من المسارات التي أنتجها ارتباك العالم خلال العقدين الماضيين¡ وخاصة الصراعات الاقتصادية والحروب التجارية وغير التجارية التي تسود العالم اليوم.




http://www.alriyadh.com/1810587]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]