يمر بالعالم "كورونا " مَرَّ وسيعبُر بإذن الله.. والمتابع يرصُد كيف تتعامل معه الدول¿ وهنا اللحظة التي سجَّل فيها السعوديون إعجابهم بتعامل دولتهم المسؤول مع هذا "الفيروس" الذي أصبح وباء¡ فمنذ اللحظات الأولى لظهوره وحكومة المملكة تتعامل معه بإجراءات تصاعدية.
نتحدث هنا عن إجراءات وزارتي الداخلية والخارجية والتعامل مع المسافرين والوافدين وتعليق السفر إلى عدد من الدول¡ كما نتحدث عن وزارة الصحة وإجراءاتها المتواصلة¡ وتحديث بياناتها¡ ورفع مستوى الجاهزية في مستشفياتها¡ وبث التوعية الصحية عبر منصاتها¡ ونتحدث هنا عن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي والإجراءات الاستباقية التي اتخذتها بتوجيهات ملكية مباركة كانت محط أنظار العالم وإشادته¡ ونتحدث هنا عن وزارة الشؤون الإسلامية وتفاعلها المستمر مع حدث الساعة¡ وتكاملها مع مؤسسات الدولة في توعية المصلين¡ وتقليل التجمعات عبر فتح مساجد الفروض لتكون "جوامع".
ونتحدث هنا عن هيئة كبار العلماء التي أصدرت قرارها رقم (246) المتعلق بالرخصة في عدم شهود صلاة الجمعة والجماعة في حال انتشار الوباء أو الخوف من انتشاره.
وبحكم أن هذا "العمود المقالي" يهتم بالكتابة عن الفتوى: "آداباً ومضموناً وسياسة" فإنني أتوقف مع هذه الفتوى لا في الأحكام الشرعية التي توصلت إليهاº فإنها واضحة ولا تحتاج إلى مزيد تعليق¡ وإنما أتوقف مع سياسة كتابتها¡ ودقة تعبيراتها¡ ومدى مداركهاº على طريقة نجري فيها: "مجرى اللمعة واللمحة".
فأولاً: تلحظ أن الفتوى فصَّلت الجواب إلى ثلاث حالات¡ وتفصيل الجواب منهج فتوي يهدف إلى حصر حالات الواقعة وإعطاء كل حالة حكمها المتفق مع ظروفها¡ وعن ذلك يقول العلماء: "تفصيل الجواب طريق لتحقيق الصواب". وقد يذكر البعض أن هذا المنهج اشتهر به فلان من العلماء من الماضين أو المعاصرين¡ بينما هو في الأساس منهج نبوي¡ كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الخيل¡ فقال: "هي لرجل وزر¡ وهي لرجل ستر¡ وهي لرجل أجر" الحديث.. ثم بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام: كيف تكون وزراً¡ وستراً¡ وأجراً¿
والتفصيل والتقسيم مسلك عقلي¡ وكلما قوى حظُّ الإنسان من العقل قوي حظُّه من هذا المسلك. ولهذا لما أُنشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قصيدة عبدة بن الطبيب "اللامية" فلما بلغ المنشد إلى قوله:
والمرءُ ساع لشيء ليس يدركه
والعيش شح وإشفاق وتأميل
جعل عمر يردِّد: والعيش شح وإشفاق وتأميل¡ يعجبُ من حُسْن ما قسَّم وفصَّل.
ثانياً: بنيت الفتوى على ترتيب منطقي فبدأت بالدائرة الصغرى¡ وهي المتعلقة بالمصابين بالفيروس¡ ثم انتقلت إلى الدائرة الوسطى¡ وهي المتعلقة بمن عليهم إجراءات العزل¡ وليس شرطاً أن يكونوا مصابين¡ ثم انتقلت إلى الدائرة الكبرى وهم من يخشون الإصابة.
ثالثاً: الاستدلال والاستنباط¡ وروح الفتوى دليلها كما يقول العلماء¡ ولما فصَّلت الفتوى الواقعة إلى ثلاث حالات¡ ذكرت لكل حالة حكمها ودليلها¡ ولم تنشغل الفتوى بذكر وجه الاستدلال لوضوحه¡ ولكونها فتوى لا درساً.
رابعاً: الصياغة¡ وهي فنٌّ برأسه¡ ومن فنها: أن تكون اللفظة واقعة موقعها¡ وصائرة إلى مستقرها¡ وحالة في مركزهاº مطمئنة غير قلقة ولا نافرة¡ ثم شدّ هذه الألفاظ مع بعضها في جمل واضحة غير متكلفة¡ معبرة عن المعنى المقصود¡ والفصاحة: عبارة عن حسن التأليف في الموضوع المختار¡ وهكذا كانت الفتوى.
خامساً: ومما تلحظه في الفتوى: دقة التعبيرº فحينما تكلمت عن "كورونا" لم تسمه¡ وإغفال التسمية مقصودº لتكون الفتوى نصاً في كل وباء يقع مستقبلاً - لا قدَّر الله - وحينما دعت الله عز وجل أن يرفع هذا الوباء, لم تقيد ذلك بالمسلمينº ذلك أن الدين الإسلامي دين رحمة للبشرية أجمعين¡ والمسلم يود أن يعم الخير أرجاء المعمورة.
وبعد: فهذه هي الدولة المسؤولة بأجهزته كافة السياسية والعلمية والصحية والاقتصادية والأمنية¡ وهو ما نفخر به ونشكر الله تعالى عليه في المملكة العربية السعودية.




http://www.alriyadh.com/1810674]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]