ما بين سياسة الإنكار واللامبالاة التي مارستها بعض الدول تجاه هذا الوباء الغامض¡ نجد المملكة وقفت كدولة رائدة بين دول العالم في التعامل مع مخاطر انتشاره¡ حيث أكدت توجيهات القيادة ضرورة القيام بكل الاحترازات الوقائية اللازمة للحد من انتشار هذا الزائر الجديد..
من الملاحظ أن حالات تفشي الفيروسات القاتلة ازدادت وتيرتها خلال الثلاثين سنة الماضية¡ وأصبح انتشارها سريعاً¡ وهذا يعود بالطبع لضخامة عدد سكان العالم الذي يصل إلى ما يقارب 7.7 مليارات نسمة¡ والتواصل الكبير والمستمر بينهم¡ فكم عدد الطائرات اليومية التي تنتقل من مطار إلى مطار¡ هذا خلاف وسائل النقل الأخرى مثل السفن والقطارات والسيارات. ولهذا منذ أعلنت الصين عن انتشار فيروس كورونا في مدينة وهان¡ وتناقلت وسائل الإعلام السرعة الشديدة لهذا الفيروس الجديد في الإصابة بالعدوى حتى وصل إلى عشرات الآلاف خلال فترة وجيزة¡ فبادرت العديد من الدول للنظر إلى هذه الأخبار المتسارعة على أنها إعلان عن شيء مختلف¡ وفيروس جديد.
وبعد تنامي هذه الأخبار إلى جميع أنحاء العالم¡ اختلف تعامل هذه الدول مع هذا الوباء المستجد¡ فمنهم من تكتم على المعلومات غير مبال بالإصابات الموجودة بين مواطنيه والمقيمين فيه مثل إيران¡ ومنهم من أنكر وجوده أصلاً مثل تركيا¡ ومنهم من بادر إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لمكافحته والوقاية منه.
وما بين سياسة الإنكار واللامبالاة التي مارستها بعض الدول تجاه هذا الوباء الغامض¡ نجد المملكة وقفت كدولة رائدة بين دول العالم في التعامل مع مخاطر انتشاره¡ حيث أكدت توجيهات القيادة ضرورة القيام بكل الاحترازات الوقائية اللازمة للحد من انتشار هذا الزائر الجديد¡ فأوقفت الدراسة¡ ومنعت التجمعات¡ وعلقت حركة الطيران حفاظاً على أبنائها المواطنين والمقيمين. وقد كان لهذه القرارات والتدابير الحازمة التي قامت بها الدولة الأثر الكبير في الحفاظ على حياة مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين.
وكان من أصعب هذه القرارات الاحترازية على الإطلاق إيقاف العمرة وزيارة الحرمين الشريفين حفاظاً على حياة ملايين المعتمرين والزوار الذين يفدون إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة من كل حدب وصوب. وتتمثل صعوبة هذا القرار على الدولة لكونها نذرت نفسها لخدمة الحرمين الشريفين ورعاية قاصديها¡ تفتح ذراعيها لجميع المسلمين من كل مكان¡ وتخصص مقدراتها وجهودها خدمة وترحيباً بالطائفين والعاكفين والركع السجود.. ولكن حفاظاً على صحتهم اضطرت إلى اتخاذ هذا القرار الصعب¡ ثم يأتي من يقول بعد كل هذه الاحترازات بأن تركيا استقبلت أحد مواطنيها القادم من العمرة وهو مصاب بالعدوى¡ أو أنها وضعت الأتراك القادمين من العمرة في الحجر الصحي (كما ورد في وكالة الأناضول التركية قبل يومين).. يا ترى كيف حدث ذلك وقد مر على منع العمرة أكثر من أسبوعين¿ إنه استغلال أحمق لظروف صحية طارئة سببها هذا الفيروس الذي يتضامن العالم أجمع لمحاربته والوقاية منه¡ ثم تأتي وكالة أنباء تركية محاولة إخفاء حقيقة انتشار الفيروس في بلادها وتنسبه إلى دولة أخرى..!
وما بين الخوف والرجاء من هذا الفيروس¡ تختلج في الأعماق مشاعر مختلفة يتبين منها ضعف الإنسان وقلة حيلته.. كائن غير مرئي بالعين المجردة يسبب كل هذا الذعر في جميع أنحاء العالم.. لو طلب في يوم من الأيام لأي شخص منا أن يتخيل أن تتوقف الحياة فجأة¡ فلا طائرات ولا مدارس ولا جامعات ولا أسواق ولا اجتماعات مع الأهل والأصحاب¡ وأن عليه التزام بيته لا يخرج منه حتى للصلاة¡ لنعتوه بالجنون فلا يمكن تصور أن يحدث هذا التوقف المفاجئ لدورة الحياة اليومية الروتينية.
ولكن هذا ما حدث فعلاً وفي أيام قليلة توقفت عجلة الحياة اليومية في أنحاء العالم¡ مدارس علقت.. مؤتمرات ألغيت¡ مناسبات أجلت¡ رياضات توقفت.. مطارات هجرت.. يا سبحان الله كيف لهذا الكائن البسيط أن يثير هذا الرعب في جميع أنحاء العالم.. لو كانت حرباً عالمية لما حصل في العالم مثلما يحصل الآن.. إنها فعلاً لعبرة للجميع تؤكد ضعف الإنسان¡ وقلة حيلته بالرغم من التطور التقني الذي يعيشه¡ والحياة السريعة التي وفرتها لنا وسائل التقنية الحديثة.. أصبحنا لا نقرأ إلا أخبار انتشار هذا الفيروس وكيفية الوقاية منه¡ ولا حديث في مجالسنا سوى عن عدد الإصابات. ماذا يعني كل ذلك¿
إنه يعني باختصار أن هذه الحضارة الحديثة البراقة برغم ما فيها من تقنيات¡ وتقدم علمي¡ قد يحدث فيها مثل هذا الحدث المروع فيشل جميع مناحي الحياة اليومية في لحظات¡ فيبقى الإنسان عاجزاً أمام رهاب الموت¡ مصاباً بالذعر¡ مصارعاً بكل قواه من أجل البقاء¡ فيندفع لشراء ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه وكأن كل شيء سينفذ خلال أيام وتحصل مجاعة للبشرية¡ مع أن نسبة الشفاء من هذا الفيروس كبيرة جداً ولنأخذ على ذلك الصين¡ حيث وصل عدد المصابين قريباً من 98 ألف مصاب¡ ومن أعلنت الصين شفاؤهم وصل قريباً من 67 ألفاً¡ ولكنه الضعف البشري تجاه المجهول في أبسط صوره.
وأخيراً أختم بهذه الآية القرآنية الكريمة (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) سورة التوبة آية 51.




http://www.alriyadh.com/1811036]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]