تسعى حكومتنا الرشيدة في خطتها المالية التقشفية إلى مواجهة آثار الجائحة التي عطلت الأنشطة الاقتصادية المحلية والعالمية وقلصت الطلب العالمي على النفط بـ30 % منذ نهاية الربع الأول من هذا العام¡ حيث تراجعت أسعار النفط بـ60 %¡ وهو المورد الذي يمول الميزانية العامة بأكثر من 70 %¡ ولهذا تم اتخاذ قرار مالي حاسم استباقي وتبني وزارة المالية لخطة مالية بتخفيض الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية تزامنياً¡ وهذا ما أكده تصريح وزير المالية باتخاذ إجراءات احترازية ووقائية للمحافظة على الاستقرار المالي للمملكة وبأقل الأضرار الاقتصادية على المدى القصير ودعم النمو الاقتصاد على المدى الطويل.
إن الظروف الاقتصادية السائدة والتركيبة الاقتصادية هي التي تحدد السياسة المالية¡ إما بتخفيض الإنفاق أو زيادة الإيرادات أو كلاهما معاً¡ مما سينعكس إيجابياً على خفض العجز وكذلك الدين العام الموجه لتمويل الميزانية¡ وعلى النقيض فإن زيادة الإنفاق وتخفيض الضرائب (سياسة توسعية) قد يكون لها أثر سلبي على الهدفين السابقين. وتشير بعض الأدبيات الاقتصادية أن خفض الإنفاق هو أكثر نجاحاً من خفض العجز القائم على الزيادات الضريبية¡ وهو ما يتعارض مع الرسالة الكينزية الأساسية التي تعني ضمنياً بأن خفض الإنفاق يتسبب في ركود أكبر من الزيادات الضريبية. كما يزعم بعض خبراء الاقتصاد أن خفض الإنفاق هو أفضل دواء لاستعادة الصحة المالية¡ بل إن آخرين يصرون على العكس من ذلك¡ على أن خفض الإنفاق يُهزم نفسه ويضر بالنمو الاقتصادي. وقد تنطبق هذه النظريات على الاقتصادات المتقدمة ذات الصناعات المتنوعة¡ بينما لا تنطبق على الاقتصادات النامية ذات التنوع المحدود والتي تعتمد بشكل أساسي على إيراداتها الهيدروكربونية.
فلا يتعارض خفض العجز أو بقائه عند المستوى المتوقع مع دعم الاقتصاد على المدى الطويل¡ بل العكس تماماً¡ فقد يؤدي تقليص العجز إلى فائض مالي يزيد من الإنفاق على البنية التحتية وتنويع الاقتصاد الوطني¡ بدلاً من الاستدانة الموجهة لسد العجز وزيادة الدين العام. ولنا عبرة في الأزمة المالية العالمية 2008م¡ حيث نفذت حكومات الاقتصادات المتقدمة سياسات توسعية لتحفيز اقتصاداتها¡ مما نتج عنه تضخم لديونها العامة وإلى أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية¡ حيث بلغت ديون اليابان 230 %¡ اليونان 176 %¡ إيطاليا 135 %¡ البرتغال 122 % من ناتجها المحلي الإجمالي.
إن اتخاذ السعودية التدابير الضرورية بخفض الإنفاق وزيادة الإيرادات أمر ضروري بحكم الواقع¡ لتجنيب الاقتصاد المحلي ما قد يكون هو الأسوأ وحتى لا يصبح العجز عبئاً كبيراً على الدولة. لهذا تصدت الخطة المالية لعدم اليقين واتخذت الإجراءات اللازمة لتحقيق الاستقرار المالي ودعم النمو الاقتصادي وتحفيز المستثمرين¡ وبالتالي فإن أثر هذه السياسة المالية لا يقتصر على التحفيز فحسب¡ بل أيضاً على تقليص العجز ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.




http://www.alriyadh.com/1827981]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]