"يجب أن تخرج من هذه الدائرة الشعرية التي تستحوذ عليك". هكذا نَهَرَ الناقد الكبير تلميذه الشاعر¡ ناقد له باع طويل في الستينات من عمره¡ نقد العديد من الشعراء والأدباء¡ له إخلاص تام للكلمة والمعنى¡ لا يحابي أحداً¡ قلمه سيف شامخ¡ خاض فيه العديد من المعارك الأدبية¡ حتى ولو لم تكن هذه المعارك ذائعة الصيت¡ إلا أنها كانت قوية وشائكة داخل الإطار الأدبي النخبوي الضيق¡ سلخ بقلمه العديد من القصائد وشرّحها وشذّبها¡ كلماته الرنانة القوية يُحسب لها ألف حساب¡ تخافه القوافي والجمل¡ وتهابه أعتى وأقوى الهامات الأدبية المرموقة.
بسحنته الجدّية نَهَرَ تلميذه الشاعر الثلاثيني المتألق في الساحة الشعرية. نهرهُ بشدّة¡ والشعراء لا يتقبلون النقد القاسي¡ حتى لو قالوا عكس ذلك.
لننتقل الآن إلى الشاعر المتألق¡ هو في عنفوان شاعريته¡ تتدفق الكلمات منه¡ يكتب وينشر¡ وسائل التواصل مكتظة بأشعاره¡ والدواوين مرصوفة في المكتبات¡ الواحد تلو الآخر. لكنّ الناقد لم يعجبه هذا¡ ينهره بشدة الآن¡ ويتوعده بقلمه¡ وبالفعل¡ أشار ولمس قلمه الموجود في جيب صدره مهدداً. خاف الشاعر المتألق¡ وبلع ريقه¡ وقال:
"الدائرة الشعرية خُلقت مع الشاعر¡ مع روحه الشعرية¡ هي طبيعته التي خُلق عليها¡ لا تطلب مني أن أتطفل وأذهب إلى دوائر أخرى".
قاطعه الناقد بشدة:
"هذا ليس تطفلاً! يجب أن تتعود على دوائر متعددة من الآن¡ بل قبل ذلك من سن العشرين وليس من الآن! لكن الأوان لم يفت بعد¡ ما زلت شاباً. هل من الممكن أن تكون كل أشعارك في داخل هذه الدائرة المحدودة¿ لقد جرّبتَ كُلّ التشبيهات والاستعارات والصور في دائرتك¡ لقد استهلكتها حدّ السُخف¡ الناس قد لا يرون هذا¡ لكنني أنا أراه بحكم خبرتي العريضة الواسعة¡ والناس سيرونه لا محالة تدريجياً¡ سيملون هذا الشعر المكرر. وأنت ستمل ولن تستطيع أن تغير. لكنك الآن تستطيع ذلك".

"وكيف ذلك¿"

"لا تكتب أبداً في دائرتك. تجاهلها. أُقتل كل الأشعار في داخلك¡ لا تخرجها. أعلم أنّ هذه الطريقة قاسية. لكنها مجدية¡ لا تكتب أيّ شيء في دائرتك¡ وبعد فترة ستتجه كلماتك إلى دائرة أخرى مقاربة¡ وبعدها إلى أخرى وهكذا¡ ستصبح كلاعب السيرك الذي يرمي كرات متعددة في الجو في وقت واحد. ما رأيك بالمثال¿ رائع أليس كذلك¿ نعم يجب فعل ذلك. الآن. توقف عن تكرار نفسك. استعاراتك وتصاويرك ستنتهي¡ ستضمر روحك الشعرية¡ لأنّ الروح الشعرية الحقيقية تكره التكرار أيضاً".

"لا بأس¡ الآن أنا مقتنع. وفي هذه الحالة سأصمت كثيراً هذه الأيام. ستجف روحي. حتى تصل إلى دوائر أخرى".

"سوف تصل إليها لا محالة. توكل على الله".





http://www.alriyadh.com/1853204]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]