عداوات تنشأ بين الأفراد والشعوب¡ ومسافات تتباعد بين الأديان والمذاهب¡ ومعارك وهمية سلاحها السباب والتجريح بسبب معلومة صيغت على شكل تغريدة من مصدر مجهول له أهدافه القريبة والبعيدة¡ وبعضها من استخبارات بلدان معادية..
إذا جمعنا مئة نملة سوداء ومئة من النمل الناري ووضعناها في وعاء زجاجي فلن يحدث شيء¡ لكن إذا أخذت الوعاء وهززته بعنف ووضعته على الطاولة سيبدأ النمل بقتل بعضه بعضاً¡ فيعتقد النمل الناري أن النمل الأسود هو من هزّ الوعاء¡ بينما يعتقد النمل الأسود أن النمل الناري هو العدو¡ مع أن العدو الحقيقي هو من هزّ الإناء.
لا أدري مدى صحة هذه التجربة ولا المصدر الذي أجراها أو حتى وجود نمل بهذا الاسم¡ لكنها معبّرة¡ وتعكس واقعاً نعيشه وخاصة مع مواقع التواصل الاجتماعي¡ وما تموج به الساحة الإعلامية من تراشق بالعبارات المسيئة والتهم الجاهزة¡ يكفي أن ينشئ شخص مجهول تغريدة يتهم فيها شخصاً أو شعباً من الشعوب أو مذهباً من المذاهب فيقوّله ما لم يقله¡ أو يدلي بقول لا يمثل رأي الأغلبية الذين يتحدث باسمهم¡ ليبدأ التراشق والتخوين والدعاء على الطرف الآخر¡ عداوات تنشأ بين الأفراد والشعوب¡ ومسافات تتباعد بين الأديان والمذاهب¡ ومعارك وهمية سلاحها السباب والتجريح بسبب معلومة صيغت على شكل تغريدة من مصدر مجهول له أهدافه القريبة والبعيدة¡ وبعضها من استخبارات بلدان معادية¡ ويساعد الذكاء الاصطناعي على بث معلومات غير صحيحة بتحوير الأحاديث وتقليد الأصوات والحركات المصاحبة¡ وبث ما يشاء من أفكار أو رسائل على لسان شخص معروف كرئيس دولة أو مفكر وكأنه صاحب الصوت والصورة¡ وغالبية المتلقين على مواقع التواصل لن يساورهم شك في أن المتحدث هو صاحب الصورة وهذه أفكاره¡ وأحياناً يتلاعب شخص بالترجمة فيصدقها من لا يتحدث تلك اللغة.
المصدر الثاني لهزّ الإناء وزرع الخلافات هو ما يحفل به المتطرف في دولنا وما يحفل به من تراكمات وصلت على شكل حكم وروايات وتفسيرات يصعب الجزم بصحتها¡ قرون كثيرة امتدت منذ أكثر من ألف عام وحتى يومنا هذا¡ تخللها الكثير من الأحداث كالحروب والكوارث والقلاقل والدسائس¡ وخطاب وفكر أفرزتهما أزمنة وظروف مختلفة سياسية واجتماعية¡ اجتهد فيها الفقهاء والمفسرون حسب ما يرونه وما يعايشونه في أزمنة كل منهم¡ وحسب الخلفية الثقافية التي تبرمجوا بها¡ لكن من يتلقاه اليوم لا يعلم ماهي تلك الظروف التي فرضت مثل تلك الأحكام¿ وكأن صاحب الرأي بعيد كل البعد عن الخطأ¡ ودون معرفة أن ما أورده لا يتناسب والعصر الحديث الذي نعيشه.
الخلافات تزداد اتساعاً مع سهولة التواصل¡ وسهولة تشويه الحقائق¡ مما يحتم معه التركيز على النقاط الآتية:
أولاً: أصبح النقد البناء¡ وتحليل المعلومة¡ والشك في صحة ما نتلقاه¡ وطرح الأسئلة¡ من أهم مقومات التعليم المتميز حتى لا يكون الطلبة عرضة للبرمجة الخاطئة والمعلومات المضللة¡ التعليم هو أفضل سلاح لمحاربة أمراض المجتمع النفسية والبدنية والفكرية¡ ومنها هذا الكم الهائل من المعلومات المغلوطة التي تحفل بها مواقع التواصل ووسائل الإعلام الحديث¡ وكل ما كان التعليم مواكباً للمتغيرات المتسارعة في مجال التقنية¡ وملبياً لكل التحديات التي يفرضها أو يتطلبها الذكاء الاصطناعي كانت النتائج أفضل.
ثانياً: توفر المعلومة من مصادرها¡ والتواصل الجيد مع جمهور المتلقين¡ يفوت الفرصة على من يحور المعلومة أو يخرجها من سياقها لغرض التشكيك في جهود الدولة¡ أو في فائدة برنامج أو قطاع معين¡ ومن المهم أن تستخدم الجهات الحكومية وسائل التواصل الاجتماعي مع التركيز على ما يقرأ ويتابع من أكبر شريحة من المواطنين.
ثالثاً: مواجهة الخطاب والفكر المتطرف في دولنا بما يتناسب والعصر الذي نعيشه أصبح مطلباً ملحاً¡ إذ لا يكفي أن تتبنى مؤسسة دينية بعض الاجتهادات¡ لكنها يجب أن تكون ضمن المناهج التعليمية¡ وتستقى من مصادر موثوقة¡ كرابطة العالم الإسلامي ووثيقتها التي صدرت في مكة المكرمة قبل عامين واشترك فيها 1200 عالم دين من مختلف المذاهب الإسلامية¡ وفيها الكثير من الأفكار البناءة للتعايش والتسامح مع النفس ومع الآخر¡ علينا أن نبقي باب الاجتهاد مفتوحاً لمواكبة المتغيرات المتسارعة.
يكفي لهز الإناء أن يلقي شخص مجهول معلومة مغلوطة من خلال مواقع التواصل ليتلقفها جمهور المتابعين¡ وفي العادة تنتشر الأخبار السلبية والنقد والتجريح أكثر من الأخبار الإيجابية أو الإنجازات التي لا يلتفت إليها عادة¡ ولا تتناقل كما تتناقل السلبيات.




http://www.alriyadh.com/1853212]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]