أشرت في أكثر من مقال إلى خطورة المرحلة الانتقالية للنظام العالمي¡ لأن هذه المرحلة تتسم بالسباق بين الدول الكبرى لإزاحة البلد المسيطر الذي بدأ يضعف من أجل الحلول محله. ولذلك¡ فإن هذا السباق يؤدي إلى نشوب الحروب¡ قبل أن يتمكن أحد المتسابقين¡ أو بعضهم¡ من الانتصار والحلول محل الزعيم القديم. هذا هو كان حال العالم عام 1914- عندما كانت المملكة المتحدة تتزعم العالم¡ ولكن دون قوة كافية لإقناع الجميع بمقدرتها. ولهذا تطلب الأمر خوض حربين عالميتين قبل أن يتغير النظام العالمي ويحل زعيمان جديدان محل من كان¡ هما: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
من ناحية أخرى¡ فإن هناك «فخ ثوسيديديس»¡ الذي أثاره البروفيسور الأميركي غراهام أليسون¡ عندما أبدى تخوفه- في كتابه الاتجاه نحو الحرب: هل تستطيع أميركا والصين تجنب فخ ثيوسيديديس- أن يؤدي الصراع على الزعامة بين واشنطن وبكين إلى نشوب حرب بينهما. وهو هنا يشير للمؤرخ الإغريقي الشهير ثيوسيديديس الذي سمي الفخ باسمه¡ والذي وضح في كتابه «الحرب البيلوبونيزية»¡ كيف إن التنافس على الزعامة بين أكبر قوتين أنداك- أثينا وأسبرطة - قد أدى إلى نشوب حرب بينهما.
ورغم ذلك¡ فإن فخ**ثوسيديديس¡ وإن كان يعبر عن مرحلة معينة من المرحلة الانتقالية¡ فإنه يختلف عنها. فإغراء نشوب حرب بين المتنافسين لا يعني بالضرورة دخول المرحلة الانتقالية. فالمرحلة الانتقالية في العالم لا تظهر إلا مرة واحدة كل مئة عام¡ في حين أن الصراع بين القوى المتنافسة يدور باستمرار. ففخ ثوسيديديس¡ أو أغراء نشوب حرب بين أشد المتنافسين يحدث بلا انقطاع- وعلى ذلك يشهد تاريخ البشرية المليء بالحروب. في حين أن المرحلة الانتقالية للنظام العالمي والحروب بين الدول العظمى لتغيير ذلك النظام لا تتم إلا ضمن شروط معينة.
إن المرحلة الانتقالية في اختلافها عن فخ ثوسيديديس¡ تشير إلى أن هناك نظام عالمي مرتب ضمن توازنات- اقتصادية وعسكرية وعلمية وتكنولوجية وثقافية- تقوده دولة من الدول أو عدة دول¡ وان هذه التوازنات قد بدأت تختل نتيجة ظهور قوة أخرى في طريقها للتفوق في كل تلك المجالات على الدولة المسيطرة على كل تلك التوازنات. مما يعني أن النظام العالمي قد أصبح جاهز لإعادة ترتيب نفسه وفقاً لمعطيات أخرى جديدة بعد أن أصبحت موازين القوة العالمية تميل لمصلحة بلد آخر غير الذي كان يملكها فيما مضى.
ولذلك¡ فإن السؤال هنا ممكن أن يدور فقط عن شكل ذلك الصراع الذي سوف نشهده بين الدول العظمى وفي مصلحة من سوف ينحسم: لأثينا أم لأسبرطة ¿




http://www.alriyadh.com/1853307]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]