كما لو أن سباق اللقاح انطلق صباح أمس ونحن جلوس نتابع السباق بالمناظير من مسافة بعيدة. ينطلق السباق من فم واد سحيق¡ فلا نرى الجياد ولا من يقودها¡ إنما نسمع طلقة البداية. ستخرج الجياد من الوادي دفعة بعد أخرى¡ ثم تمر بغابة كثيفة صماء لا يُرى منها شيئا¡ وإن ميز بعضنا الجياد وهي تمر مسرعة قبل أن تختفي¡ فليس بمقدورنا على وجه الدقة أن نعرف من في المقدمة¡ سننتظر مدة حتى نجد فرجة في الغابة قليلة الكثافة كما لو أن ريحا مشطته مرتين¡ فنرى فرسا تمر مسرعة وأخرى تلحق بها بعد بضع دقائق¡ سنكف عن المتابعة قليلا ويبدأ بعضنا بتهجئة اسم الغابة في محرك البحث على هواتفنا المحمولة¡ سيدور نقاش حول النطق السليم لاسم الغابة الأجنبي ينتهي بوصف طريق تؤدي لمطعم مغمور في قرية لا تكاد ترى على الخريطة.
سيقف أحدهم ليشير إلى نهاية الغابة من الجهة الشمالية حيث ظهرت مجموعة من الجياد من بعيد في سباق محموم¡ ولأن المسافة التي تفصل بين الغابة والمنعطف طويلة نسبيا¡ حيث ينعطف المتسابقون وراء التلة¡ نادى أحدهم بصوت مرتفع باسم الجواد الذي يُرى في المقدمة¡ لم تطل الفرجة حتى اختفى المتسابقون وراء التلة الكبيرة¡ وانشغل المتفرجون في نقاش حماسي حول احتمالات الفوز والخسارة¡ وإن ظل بعضهم في انتظار خروج المتسابقين من وراء التلة في المنعطف الأخير¡ سيختلف اثنان¡ أحدهما روائي¡ حول وجود فارس في المقدمة مر ولم ينتبه له أحد¡ سيقول الأول: رأيته يجري وحده كأنه شهاب يلتهب في غابة من السحب السود¡ وسيجيبه الآخر: إن كان الذي رأيته حقا¡ فهو على الأرجح نمر في انطلاقته الأخيرة خلف ظبي طويل القرنين¡ سيقفان على حبل مشدود من الترقب المرير بانتظار أن يخرج حصان السباق الأسود فجأة من المنعطف الأخير.
والخيل تجري نحو المنعطف الأخير¡ سيبدأ الحضور في حساب سريع للوقت المتوقع لخروج خيل المقدمة من وراء التلة الكبيرة¡ سيقول أحدهم: إن ما تسمونها تلة إنما هي هضبة يتلوها منحدر وعر¡ ولأنني أقلكم تفاؤلا¡ فأغلب الظن أن المنعطف الأخير سيظل خاليا إلى وقت متأخر من اليوم. وقبل أن يجيبه الجالس قربه بتفاؤله المحض الذي لا يسنده أي دليل¡ يخرج فارس واحد من وراء التلة تاركا خلفه عاصفة صغيرة من الأتربة ومجموعة من الجياد المنهكة¡ وفي لحظة تناقل الحضور اسم الجواد وقائده¡ ولأن خط النهاية ما يزال بعيدا¡ فقد وجد الحاضرون وقتا كافيا لقراءة سيرة ذاتية قصيرة للفارس النحيل الذي يبدو مجهدا وقلقا وهو يكثر الالتفات والتلويح¡ عندها يشرع روائي في الفصل الأول من كتاب ليس له عنوان بعد¡ يروي ما جرى وراء التلة الكبيرة من مكائد حيكت ضد حصانه الأسود المجهول الذي لا وجود له.




http://www.alriyadh.com/1853392]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]