لا شك أن الثقافة ذخيرة الفكر وعتاد الوعي.. وحين تكون ممارسة ذهنية عميقة وممتدة فقد تستعصي على بعض العقول غير المهيأة أن تحتوي أبعادها¡ وتجمع غاياتها.
والعقل المثقف ينطلق عبر فهم كثير من السياقات الذاتية التي تضعه في حالة الإدراك لماهية الأمور¡ وتفاصيل الرؤى¡ وعمق النظر في بواطن المضامين.
في واقعنا الاجتماعي يرتبك تعريف الثقافة ومصطلحاتها¡ وماهية المثقف¡ فأحياناً ينتخب مثقف ما من خلال خروجه في أطروحاته وأعماله عن النص الرشيد¡ ومخالفة المألوف¡ والإتيان بشيء مبتكر.. مؤكد إن كان في فنه فسيعتبر مثقفاً ناضجاً¡ ومفكراً مبصراً.. أما إن خرج عن فنه فمؤكد سيأتي بالعجائب كغيره.
الحالة الثقافية يشوبها بعض النفور لدينا حيث تضع بعضهم في دائرة جلد الذات قبل الآخر¡ وقد يفتقد المثقف درايته مقابل تلميع طرحه.
في ظل التحولات الباهرة أزعم أننا نعاني اليوم من فقر ثقافي حقيقي يتماهى مع واقعنا المتغير¡ فتجد بعض المثقفين يعيد إنتاج نفسه بنفس الأساليب القديمة التي كان يركن إليها ليكون بارزاً مذكوراً¡ ويسمح لذاته بالوصول إلى أي اتجاه يريده¡ ويخوض فيما لا يجب أن يخوض فيه¡ ويعتصر همه في إعادة أسطوانته الفكرية وموضوعاته الانتقائية¡ فلم يعد يستوعب قيمة وأهمية إيجاد نمط وسلوك ثقافي يواكب إرساء المفاهيم وهوية الثقافة الجديدة لدينا.
مشكلة بعضهم تنصيب نفسه فيلسوفاً¡ ناقداً¡ محاسباً¡ وصياً.. وأول ما يبدأ به يجعل من نفسه ناقماً لهويته الثقافية¡ وناكراً لذاته بطريقة مشوهة¡ فيتخلى عن وظيفته المعنوية والأدبية¡ ويتجاهل قيمة انتخابه كمثقف بيننا.. ومشكلته أن عين "الأنا" وأحاديتها¡ وتضخيمها تصنع منه شخصا مكرراً ومستهلكاً.
عند إعادة التفكير¡ وإمعان النظر في متطلبات عصرنا الحالي وبين هذه الأوضاع والمعطيات المستجد سنقف على حقيقة أن الثقافة المطلوبة والمفترضة أضحت تبدو لنا غائبة وكأنـها تنتمي حقاً إلى مرحلة قد ولت فولت معها¡ فهي ذات طبيعة مهترئة تغرق في التجريد والعمومية¡ وتكرار المكرر¡ ومخالفة المعروف¡ ومنطقها غير متلائم مع موضوعات المجتمع اليوم¡ وأجد أنه ليس لـها أي عائد ملموس ومباشر¡ كونها منقطعة الصلة بواقعنا المتجدد.
الثقافة الحقيقية مرتبطة بهوية المجتمع وفنونه وعلومه وأطروحاته التي يمكن لمثقف التعاطي معها¡ ومتعلقة بخصوصيته وسماته فلا تكون ذات معطى إيجابي إذا لم تستطع تخطي جذورها النمطية¡ بحيث تكون لها القدرة على استيعاب موضوعاتها الخاصة بها¡ والإجابة على التساؤلات المصيرية المتعلقة بواقعها وطرحها ومكانتها¡ والابتعاد عن تشبيك مجالات أخرى ببعضها باسم الثقافة.
ويبقى القول: وطننا يرفل بمرحلة تجديدية عظيمة للثقافة فيها فسحة كبيرة من الاهتمام بوجود وزارة مرموقة ونشيطة ومتفاعلة وطموحة.. رافقها للأسف بلادة لدى بعض المثقفين الذين لم يعرفوا كيف يضعون أنفسهم في تلك المرحلة فضاقت بهم الأرض بما ثقفت فعادوا لما نهوا عنه¿ ولنسألهم¡ ماذا أفادوا وأضافوا في هذه المرحلة¿




http://www.alriyadh.com/1854049]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]