إن كل ما رواه البخاري مروي هو أيضاً في غيره من السنن والمسانيد¡ غير أن البخاري اختصر للأمة ما أطاله الآخرون¡ وقرب لها ما قد يباعد بينها وبينه طول السنين¡ فجمع الصحيح من بين آلاف الأحاديث¡ وشهد لصحة أحاديثه علماء وأئمة هذه الأمة..
كلمات لا يعلم عنها كثير من هذه الأمة في هذا الزمان¡ مع أنها هي الصلة بين الأمة وبين نبيها صلى الله عليه وآله وسلم¡ فلقد جاءنا دين الله نقيًّاً سمحاً¡ وذلك بأمر نبينا لأصحابه أن يسلكوا طريق "حدثنا.. وأخبرنا.." قال البخاري -رحمه الله-: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد¡ أخبرنا الأوزاعي¡ حدثنا حسان بن عطية¡ عن أبي كبشة¡ عن عبدالله بن عمرو¡ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم¡ قال: "بلغوا عني ولو آية...." الحديث¡ فإبلاغ الدين لم يكن بالأمر "الهوشلي" بل كان أمراً مرتباً ومدروساً مذ بعث النبي عليه الصلاة والسلام وبدأ بعض الصحابة يلازمه في كل أحواله¡ ويبلغ الدعوة عنه¡ حتى اتخذ صلى الله عليه وآله وسلم رسلاً بين العشائر والقبائل والدول الأخرى¡ ولا يخفى ذلك على عاقل فضلاً عن مسلم.
وإنما سقت سند الإمام البخاري -رحمه الله- أثناء المقال¡ كعيّنة من العلم الذي جهله أعداؤه حتى أصبحوا يتحدثون عن البخاري وكأنه رجل فكّر وقدّر وأخذ قلمه وأوراقه وشرع يدون ما صنفه عقله وجال بخاطره وأخرج لنا كتاباً¡ ثم قال: هذا دينكم! لا... ما هكذا يا سعد تورد الإبل! فبين يدينا علم تجشم سلفنا الصالح الصعاب والمتاعب لتدوينه¡ كان أحدهم يطوي القفار ليسمع حديثاً واحداً عن راويه¡ وكان من هؤلاء الإمام البخاري -رحمه الله-¡ فمنذ نعومة أظفاره وهو يزاحم العلماء في حلقاتهم¡ وليسوا أية علماء¡ بل إنهم صفوة هذه الأمة¡ كابن المديني¡ وأحمد بن حنبل¡ وابن قتيبة¡ وإسحاق بن راهويه¡ وابن معين¡ وغيرهم مئات العلماء الذين سبقوا البخاري بالحفظ والتحديث والتأليف¡ ثم يتتلمذ على يديه كبار أئمة هذه الأمة كالإمام مسلم¡ والترمذي¡ وابن خزيمة¡ والنسائي¡ وابن أبي الدنيا¡ وغيرهم ممن دون لهذه الأمة فقه نبيها¡ ودقائق وتفاصيل دينها.
ولا يغني هنا الحديث عن البخاري ببعض كلمات¡ فمن لمح ولو بطرفة عين في كتب الحديث سيعلم من هو البخاري¿ غير أني أريد القول: إننا سنواجه ليس فقط استصغار هذا الإمام بل إننا سنجد وقد وجدنا من يأتي إلى الدين والفقه ويشرع في تصنيف المسائل وتحريم هذا وإباحة تلك¡ وينبغي له أن يكون كذا¡ ويقول كيت¡ وكأن الدين أهون ما يتحدث عنه وآخر ما يهتم له¡ وكان من المفترض العكس تماماً¡ وهو أن يولي المرء اهتمامه بدينه حتى تطمئن حياته ويسير على نور في سائر عمره¡ وهو ما فعله طلاب الحديث وعلماؤه الأوائل تماماً¡ حيث كانوا يصلون ليلهم بنهارهم¡ وينقحون ما يكتبون¡ وينتقون أجود ما ينقحون¡ حتى عرف بينهم أئمة هذا الشأن¡ ممن سبروا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودرسوا رواته¡ وضعفوا الضعيف وشهدوا للحافظ¡ وهم من امتثل حقيقة لقول ربنا: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني".
ولكي يعلم من جهل¡ فإن كل ما رواه البخاري مروي هو أيضاً في غيره من السنن والمسانيد¡ غير أن البخاري اختصر للأمة ما أطاله الآخرون¡ وقرب لها ما قد يباعد بينها وبينه طول السنين¡ فجمع الصحيح من بين آلاف الأحاديث¡ وشهد لصحة أحاديثه علماء وأئمة هذه الأمة¡ فاستقبلوا صحيح البخاري بالحفظ والتدريس والشرح والتلخيص ونحو ذلك¡ ومن أجلّ هؤلاء الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-¡ والنووي¡ وابن رجب¡ وغيرهم كثير ممن خدم كتاب البخاري¡ وبيّن تصدره لسائر كتب الحديث من حيث الصحة.
وللعلم أيضاً¡ فقد سبق البخاري في التأليف الإمام مالك بالموطأ¡ ومعمر بن راشد وغيرهما¡ ومن الجميل بمكان أن يذكرنا البخاري -رحمه الله- بخطر تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسند بينه وبين نبينا صلى الله عليه وسلم ثلاثة حفاظ فقط لا غير ليدحض بذلك شبهة الفارق الزمني¡ فقال: حدثنا مكي بن إبراهيم¡ قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد¡ عن سلمة¡ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار"¡ فلعل من جهل من هو هذا الإمام¿ أن يرعوي¡ ويلف وجهه حياء أن يجهلا. هذا¡ والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1854745]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]