تكمن أهمية قوة الاجتماع في دورها المحوري في استتباب الأمن وانكفاف شرور الأعداء¡ فالأمم لا تخترق إلا بعد تضعضع صفوفها¡ ولا ينال منها العدو بغيته ما دام البنيان مرصوصاً والصف مستوياً..
الحياة الدنيا مبنية على الكدّ والعمل¡ ومن طبيعتها تفاوت أهلها في كسب المنافع وتجنُّب المضارِّ كمّاً وكيفاً¡ والحظوظ فيها مقسومة بحكمة بالغة من الله¡ فمن الناس من يُلهَم السعي في تحصيل كثير من مقومات الحياة¡ ومنهم من لا يأبه بها¡ ولا يرفع لها رأساً¡ ومنهم من دون ذلك وفوق هذا¡ وعلى أن الدنيا معبرٌ إلى دار البقاء¡ وفرصة للتزود بالأعمال الصالحة إلا أنها ليست الأولوية فيها لمن يتسم بالاسترخاء المطلق والوهن والضعة¡ بل الأولى أن يكون المرء قويّاً عامراً للأرض بالخير والبركة¡ نافعاً لمن يستحق النفعَ¡ شوكة في خاصرةِ أهل الفساد والغيِّ¡ ذابّاً عما يجب عليه الذودُ عنه¡ ولهذا كانت للقوة أهميتها ومكانتها¡ وحثَّ الشرع على تحصيلها¡ واتفق العقلاء على ضروريتها¡ وتفنَّنت الحضارات في تطويرها عبر القرونº ولأجل أهمية القوة لم تكن محصورة في نوع من الأنواع¡ بل لها أشكال متعددة¡ يستحسن الأخذ بقسط من كل منها¡ ومن أشكالها:
أولاً: قوة الإيمان¡ وهي أهمها¡ وبها يستعين المسلم - بتوفيق من الله - على الحفاظ على دينه¡ فيصمد أمام إغراء الشيطان له بالفتور¡ فمن الناس ضعيف يستقيم¡ ثم ينقطع ويعوزه الاستمرار في ذلك¡ ومنهم قوي بحول الله يواظب على ما هو عليه من الخير¡ بل همه ازدياده¡ كما أن قوة الإيمان من أسباب الانقياد التامِّ لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم¡ فقوي الإيمان لا يبلغه شيء من تشريعات الدين إلا قابله بالتسليم وبادر إلى الامتثال كما صنع أهل قباء عند تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة فعن عبد الله بن عمر¡ قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح¡ إذ جاءهم آت¡ فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن¡ وقد أمر أن يستقبل الكعبة¡ فاستقبلوها¡ وكانت وجوههم إلى الشأم¡ فاستداروا إلى الكعبة» أخرجه البخاري¡ ويظهر الفرق بين صنيعهم وبين صنيع ضعاف الإيمان الذين قالوا: (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها).
**ثانياً: قوة الاجتماع والتماسك ووحدة الكلمة¡ وهي من أهم أنواع القوة¡ وبينها وبين الأولى علاقة وطيدةº لأن من تمام قوة الإيمان الحرص على وحدة الصف ولزوم الجماعة¡ وتكمن أهمية قوة الاجتماع في دورها المحوري في استتباب الأمن وانكفاف شرور الأعداء¡ فالأمم لا تخترق إلا بعد تضعضع صفوفها¡ ولا ينال منها العدو بغيته ما دام البنيان مرصوصاً والصف مستوياًº ولما لهذه القوة من أهمية نهانا الله تعالى عن التنازع¡ وبين لنا أن عاقبته الفشل¡ فقال: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)¡ وأكثر النبي صلى الله عليه وسلم من الحث على لزوم الجماعة¡ وأوصى بها في أكثر من مناسبة¡ وبايع عليها أصحابه¡ وزجر أشد الزجر عن مفارقة الجماعة فقال: (مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا¡ فَمَاتَ¡ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) متفق عليه¡ وأي مجتمع رزق هذه القوة انصرفت عنه أطماع الأعداء خاسئة¡ وبالمقابل فكم من مجتمع ضعف عنها فاستهواه الناعقون الخوارج الذين هدفهم تقويض الأمن والاستقرار¡ فلم يشعر إلا وقد فات الأوان وقطعت سكاكين التشرذم أوصاله¡ فندم ولات حينَ مناص.
ثالثاً: القوة العلمية¡ ولها تأثيرها الفعال في نهضة الأمم وتقدمها¡ ولم تكن في يوم من الأيام بمعزل عن الأولوية¡ لكن صارت في يومنا هذا من الضروريات القصوىº لاعتماد الناس اليوم في شؤونهم على المصنوعات التي هي من منتجات العلم وعصارات الأفكارº والعلم كله مصدر قوة¡ فالشرعي منه يقي من الشرور ومن بينها الفتن المضلة¡ ولولا الله ثم العلماء الربانيون لاجتاحت الأفكار الضالة المتطرفة الناس¡ أما المادي منه فمحسوس تأثيره¡ ومعلوم فضل من ينفع الناس من خلاله فقد ذكر الله تعالى ضمن نعمه على نبيه داود عليه السلام أنه علمه صناعة الدروع التي تلبس في الحرب¡ وتقي المحاربَ الإصابات¡ فقال تعالى: (ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد. أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير)¡ وامتن علينا بذلك فقال: (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون).
رابعاً: القوة المادية الشاملة للاقتصادية والعسكرية والسياسية¡ وهي عملية تراكمية للتي قبلها¡ فبالاستقرار والعلم يحصل الرقي¡ وهذه صمام أمان الدول¡ وإليها تتسابق الأمم وفيها تتنافس¡ ونحمد الله تعالى على ما قيض لدولتنا المباركة المملكة العربية السعودية من أصناف هذه القوى مجتمعة¡ فقد خطَتْ فيها خطواتٍ فسيحةً جعلتها دولة ذات ثقل معتبر¡ وعلينا أن نحافظ على تلك المنحة الإلهية¡ وأن نسعى لزيادتها بشكل مستمر.




http://www.alriyadh.com/1855483]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]