المهرجانات التراثية ظاهرة ثقافية وفنية وتذكار لأبناء الخليج بذاتيتهم وخصوصيتهم وشاهد تاريخي لهوية وحضارة الخليج العربي واستعادة للذاكرة الخليجية من أجل توعية الأجيال الجديدة بحياة الماضي¡ وهذا في بعده الحضاري يشكل فلسفة استدامة التراث¡ وفي ذلك تتجلى قوة روح التراث وتأثيره في مجتمعات الخليج..
برغم أنني بدأت حياتي كاتبًا أديبًا إلا أنني لم أقصر تجربتي على الأدب العربي بل خطوت باتجاه الآداب الأخرى ومن بينها الآداب الشعبية.
ففي مرحلة ما من التاريخ الأدبي وصل الشعر الشعبي قمة نضجه الفني¡ وقد سعيت لدراسته دراسة نقدية مركزًا على جمالياته الفنية.
ففي أوائل الثمانينات الميلادية استطاع الشعر الشعبي أن يحقق انتشارًا واسعًا ويقدم تصويرًا فنيًا للواقع ويبرهن على وجوده بوصفه فنًا يلامس الوجدان.
كان كتاب "مختارات من شعراء الحريق" للمؤلف عبد العزيز بن شنار طريقي إلى دراسة الشعر الشعبي¡ كتبت تلك الدراسة على الطريقة النقدية الحديثة التي يسلكها النقاد في دراسة وتحليل نصوص الشعر¡ وكانت أول تجربة لي مع دراسات الشعر الشعبي.
وبعد ذلك توسعت في دراساته النقدية¡ فقد تناولت الشعر الشعبي تناولًا فنيًا محاولًا تطبيق مناهج النقد الأدبي الحديث على الشعر الشعبي.
وعند ذلك تحول الشعر الشعبي من أطره الضيقة والتي تخضع للأعراف ووجهات النظر التقليدية وتحرر تدريجياً من الإرث القديم وأصبح معنيًا بالإبداع والفن الجمالي.
فمنذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين اجتاحت منطقة الخليج العربي حركة تراثية ذات أبعاد ثقافية وفنية أشاعت الطابع التراثي في الحياة الاجتماعية في الخليج.
فمنطقة الخليج ذات ثراء تراثي يعبر عن ذات وجذور ووجدان الخليج.
فالمهرجانات التراثية ظاهرة ثقافية وفنية وتذكار لأبناء الخليج بذاتيتهم وخصوصيتهم وشاهد تاريخي لهوية وحضارة الخليج العربي واستعادة للذاكرة الخليجية من أجل توعية الأجيال الجديدة بحياة الماضي وهذا في بعده الحضاري يشكل فلسفة استدامة التراث¡ وفي ذلك تتجلى قوة روح التراث وتأثيره في مجتمعات الخليج.
وإن كان واقع المشهد الاحتفالي التراثي يتشكل في فلسفته التراثية من خطين متحدين يتمازج فيهما الحاضر بالماضي شكلته أوبريتات سوق عكاظ والجنادرية ومهرجانات وأسواق الخليج الأخرى مكرسة ظاهرة الشعر الملحمي والرواية الشعرية التاريخية ومجسدًا منهجًا فنيًا يقوم على الإلهام الشعري والتقاليد الفنية والنزعة المسرحية والقصة الشعرية والثقافة الشعبية.
فالاحتفاء بالتراث يدل على توجه مستقبلي خلافًا للظن المتبادر إلى الأذهان أنه رجعة إلى زمن قديم فالرجوع في الزمن مستحيل ولكن الاحتفاء بعطاءات زمن فائت في حياة مجتمع من المجتمعات يعني التأكيد على روح الأمة واستمرارية تاريخها.
ومن هذين المعنيين تتفرع تأكيدات وافية على الاعتزاز بالهوية واحترام التاريخ والرغبة في وصل الحضارة بالزمن.
وقد تعاملت منظمة اليونيسكو مع التراث باعتباره موضوعًا عالميًا مشتركًا وإن كان في بعده الفلسفي يتشكل في منظورين مختلفين¡ فالمجتمعات الغربية تأخذ التراث بمنظار الحاضر بخلاف المجتمعات العربية التي تنظر إلى التراث بمنظار الماضي "فالموقف الغربي من التراث يخضع لعملية فصل بين ما هو ثقافي وما هو تاريخي فما هو ثقافي إنساني يبدي الإنسان الغربي تعلقه به أما ما هو تاريخي بمعنى أنه ينتمي إلى أشكال من تفكير الماضي فإنه لا يقيم له أية علاقة".
بينما علاقة المجتمعات العربية بالتراث علاقة عضوية لارتباطه في وعيه بمدلول وأبعاد حضارية وتاريخية ودينية وثقافية واجتماعية وحضارية وإنسانية.
ولو أننا اخترنا أن نلفت الانتباه لشيء ذي دلالة فهو أن التطلع الحضاري المعاصر لا ينبغي أن يكون بالضرورة مبنيًا على نبذ كل تراث الماضي بل إن هذا التطلع ينبني على احترام الماضي ودراسته والتمسك بمعانيه الأصيلة.
ففي معظم الجامعات العالمية يستقل الفلكلور بدراساته الخاصة والتي تعرف في التقسيم الأكاديمي بالدراسات الشرقية إذا كان الفلكلور شرقيًا أو الدراسات الاجتماعية والدراسات الأدبية ولكن يظل لهذه الدراسات التي تتمثل في الثقافة الشعبية والأسطورة والأشعار الشعبية والسالفة والحكايات الشعبية وضعها الأكاديمي الطبيعي.
فقد كان الأدباء الصينيون في القرن الخامس الميلادي يضعون قيودًا على الأشعار الشعبية¡ هذا الموقف تغير وصارت جامعة بكين تتوسع في دراسات الآداب الشعبية¡ وأصبحت الروايات والأشعار الشعبية تقتحم برامج الدراسات الأدبية¡ ولقد كان للشاعر الشعبي الصيني هسه إنجازه الباهر في دفعه هذه الأشعار إلى الواجهة وإلى جانب جامعة بكين يوجد عشرات الجامعات في الغرب¡ فمثلًا جامعة برنستون تدرس الآداب الشعبية ضمن قسم دراسات الشرق الأدنى¡ وكذلك جامعة أنديانا وسط الشرق الأميركي تعتبر من أوائل الجامعات التي تهتم بالدراسة الشرقية وجامعة كولومبيا في نيويورك وجامعة واشنطن وجامعة جورج تاون وفي غرب أوروبا تأتي أكسفورد والسوربون في طليعة الجامعات التي تعنى بالفلكلور والآداب الشعبية.
لقد تركت الثقافة الشعبية تأثيرًا على كثير من الدارسين في الغرب كالناقد الألماني ملياند والكاتب النمساوي كرلباسر والإيطالي كوسي والكاتبة الأميركية هاريت والباحثة ليرك.




http://www.alriyadh.com/1856566]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]