تحولات عميقة ومتسارعة¡ ومستجدات انسيابية بكل ألوان الغرابة¡ والإبهار تقود جيل المجتمع نحو تشكلات ثقافية طارئة¡ سببها ذلك التدفق الزخم والثقيل باتجاه عقول الكثير.
وبيّن هذا البعض حجم جوعه ورغبته بالتغيّر المتعجل دون تفكير¡ فكانت مساحة النفس لديه مزدحمة بالمتطلبات¡ ومحشورة بالرغبات أكثر من حرصها على معطيات الحاجة والانتقاء.
تبرز تفاعلات ذاتية في العمق الوجداني لدى أولئك بتبني أشكال لأوعية ثقافية جديدة يجدونها تعبّر عن رغبات نفسية يسعون لإشباعها دون تبصر حقيقي يضعهم في حالة وعي بالمدخلات والمخرجات.
تشعر فتخشى أن هناك تجاذبا متضادا يبدأ من نقطة الركود اللحظي¡ وينتهي بنقطة الاستفزاز فيؤدي ذلك لنشوء صراع مع الذات قبل الآخر.. وتظهر هزيمة العقل قبل القلب بشكل دائم بسبب تأرجح ردود الفعل¡ واستيعاب المتغيرات المتسارعة.
اليوم هنا هوية مجتمعية وقيمية تخشى أن تتآكل بشكل سريع جدا يسبق قدرة التفكير ويتعدى مدى البصر.. فهذا الجيل وقادم الأجيال قد يفتقد المعارف وتتشكل رؤاه من خلال رغباته الآنية الزائلة¡ وليس حاجاته الطبيعية.
حالة من الحيرة والشك تنتاب كثيرا منهم لوهنهم في مواجهة الواقع بتقليدية القيم والعرف.. ويحاولون الهروب نحو مسايرة المتغيرات بالانغماس في استحقاقات مزعومة¡ وأفكار أسست اعتباراتهم دون انتباه لأولويات العيش.
بعضهم لم يعد يقدر على تفسير واقعه بطريقة عقلانية ونقدية لأن تعبوية التأثير تقودهم نحو البلادة¡ كما أن القيم الاجتماعية والدينية والأسرية غدت معالمها غير واضحة في أذهانهم ولا يجدون قدرة على تحرير تعريفات صادقة لها.
هذا الانسياق والانكباب على الأمور الثانوية من خلال الغرق في ملذات الترفيه والمتعة والتسلية¡ ويتبعه استهلاك جسدي ومادي كبير تخشى أنه يفرّغ القلوب من مدركات ومآلات الأمور وحقائقها¡ ويجعل الأسر والمجتمع يعاني من إرهاصات وآثار ونتائج ذلك.
اليوم البعض يعيش ما بين هوية مفقودة¡ وثقافة محاكاة ترهق المقتحمين للواقع المستجد دون تبصر.. فيجفف عقله مقابل ليونة رغباته¡ ويقطع حكمته ليصل لأمنيات ورقية¡ ويبعثر طاقاته ليجمع مزاجه¡ ويشتت اهتماماته ليلملم أهواءه¡ ويكسر خصوصيته ليجبر أحلامه الطيفية.
مجتمعنا يعاني في جزء منه ممن ينسلخ عن هويته¡ وثقافته لأجل تقاليد جديدة ساهمت في تبعيته لها وسائل تواصل وإعلام¡ أبواب مشرعة في كل اتجاه¡ ظنون تجعله بلا غايات حقيقية تدفع به نحو التوحد الذاتي مع الأقران.
ويبقى القول: تأصيل الذات¡ وتعزيز الهوية¡ وتكريس الثقافة الوطنية والمجتمعية المعروفة مطلب وضرورة.. وتلك منطلقات مهمة يجب أن يدركها هذا الجيل المنغمس في متاهات الاغتراب الاجتماعي¡ ويجب أن نخرج من هيمنة الثقافات الأخرى على وعينا الثقافي بما لدينا¡ ويجب أن نستثمر هذا الثراء والانفتاح الاجتماعي فيما يعزز قيمنا ويبرزها بطرق أحوى وأوعى وأجمل¡ ويتوجب أن نتفهم الواقع وأولوياته وفرص التطبيع مع الحياة بأسلوب يحفظ النفس والعقل والقلب والدين والمال.




http://www.alriyadh.com/1857788]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]