إنّ المتعة البصرية والوجدانية لا تُدرك إلا بالمعايشة¡ فالوطن أصبح يحيا حالة من الرواج الجمالي المعتق بروح الماضي¡ ومستلهماً منه في كل شيء أينما دارت رؤوسنا¡ وهو في حقيقة الأمر أمرٌ لم يستنبت إلا برؤى وبخبراء وعلماء يعلمون أن التقدم والعطاء والعمل الجاد لن يتأتى إلا في واحة من الجمال..
الجمال له قوانين¡ فلسفات¡ قواعد¡ ومعايير يعجز سبرها جل العلماء قديمهم وحديثهم¡ ولكننا نختصر كل معانيه في كلمة بسيطة ذكرها الله في كتابه العزيز¡ وجعلها منّة ونعمة تؤتى ولا تستجلب وهي (شرح الصدر) كلمة الحصول عليها وامتلاك قيادها أصبح من نوادر هذا الزمن.
والجمال هو أحد مسبباتها (انبساط الخاطر مثلما يقال).
والحقيقة أن الجمال في المملكة العربية السعودية جمال بكر ندي لم تلوثه بصمات الحضارة الحديثة¡ جمال ممتد في الصحارى وقمم الجبال وتحت سفوح الهضاب وفي منحدرات الوديان وهدير الشلالات وينابيع الهدأة المسروقة في حضن التلال الخضراء التي نهرع إليها كلما ضاقت بنا الصدور وغُلت المشاعر¡ كان هذا فيما سلف حينما يهرع الكل في أيام عطلهم إلى هذه المناطق كل بحسب طبيعته وعاداته يستلها بين أنامله في حرية وطبيعة مستفيضة.
لكن ما دعاني لكتابة هذه السطور وعلى عجالة لا تستوعب كل ما يضج به الخاطر من تلك الدهشة التي تفجرت في ربوع المملكة في كل شبر على أرضها¡ وكأنها تنبعث من جديد بعبق حضاري عتيق في ثوب عالمي بهيج في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله -. وكأن بهاء العالم قد استُحضر ليمثل بين أيدينا في شتى الرؤى وجميع المجالات وعلى مدار الرؤية والفكر.
الحديث عن هذه الدهشة لا يقتصر على ما قُدم لنا من إصلاح في كل المجالات (الاقتصاد¡ التعليم¡ الثقافة¡ الفنون¡ المعمار¡ الطرق¡ والمرأة التي تعيش عصرها الذهبي من عطاء وتمكين وحرية رأي وفكر ومعنى) كل ذلك معلوم في أهل بلادنا وللأمة خارج البلاد¡ لكن المتعة البصرية الموازية والوجدانية هي ما يؤطر كل ذلك¡ بل يعمل على استنهاض الوجدان ليغذي كل ما سبق من تطور وجهد وهذا أمر يدركه السعوديون أنفسهم¡ لكننا نكتب هذه السطور لكي يعلم من هو خارج الوطن عربيا كان أم عالميا¡ ذلك لأن المتعة البصرية والوجدانية لا تُدرك إلا بالمعايشة¡ فالوطن أصبح يحيا حالة من الرواج الجمالي المعتق بروح الماضي ومستلهما منه في كل شيء أينما دارت رؤوسنا¡ وهو في حقيقة الأمر أمر لم يستنبت إلا برؤى وبخبراء وعلماء يعلمون أن التقدم والعطاء والعمل الجاد لن يتأتى إلا في واحة من الجمال¡ ولذا كانت هذه الصناعة المدهشة في بث هذا الحسن في كل شيء¡ فلم يعد المواطن السعودي بحاجة للسفر إلى خارج البلاد ليتلمس الجمال بقدر ما يجده ماثلا بين يديه وفي فترة وجيزة لا تتجاوز سنينها عدد أصابع اليد الواحدة.
المملكة العربية السعودية بل الجزيرة العربية بشكل عام صرح كبير للتراث والموروث والحضارة والعادات والتقاليد والطقوس والألعاب والأهازيج والأدب والشعر.. وقل ما تشاء - وقد سبق أن دونت كل ذلك في موسوعتي - (الجزيرة العربية.. الهوية¡ المكان¡ والإنسان) بدافع الحرص الشديد ألا ينطمر ذلك الجمال في ساحات الوافد والمستحدث¡ لكن ما حدث في سنوات قليلة بحسب التدوين الحضاري¡ لا يمكن أن يُصَّدق من هذا الاستنهاض لكل ما ذكرته - في موسوعتي - وفي خطوط متوازية تجتمع جميعها في بؤرة البصر وفي عمق الوجدان¡ فمساحات الرؤية البصرية بما تحويه من جمال هي ذلك الباعث على ما ذكرناه سلفا من (السلام الداخلي) وعليه تترتب البنية النفسية للمواطن الذي هو دعامة وأمل في نجاح كل مشروعات الباذخة من هذا التطور وتلك الرؤى الذي لا يغفلها أحد خارج الوطن وداخله وهذا أهم ما في الأمرº ذلك لأن المتعة هي وقود التفوق والعطاء والعمل بحب واستمتاع وهذا هو الهدف.
إن الزائر الذي يفد سيجد أن كل شيء قد تغير على جميع المحاور في شكله محافظا على جوهره في الوقت نفسه¡ وتلك معادلة صعبة لا يصنعها إلا خبراء بهذا الوطن وبأهله بأعرافهم وبماضيهم القريب.
ومما يبعث على الدهشة أيضا هو جيل جديد طموح لاهث للتحقق¡ جيل يسعى للتفوق في إطار حرصه على نجاح قد أُعد له مسبقا من تعلم ولغات وآداب وكل مناحي صناعة جيل¡ وكأنه قد استعد لما هو آت¡ حقا جيل مدهش يسابق نفسه لكي يكون هو ذلك الذي كان يتمناه¡ وقد أعطته الدولة مساحة كبيرة من التمدد والبحث عن هذا التحقق¡ سواء كانوا شبابا أو شابات.
هذا ما فعلته الدولة وقادتها وصناع الحضارة الجديدة فى لوحة مطرزة¡ فما هو الواجب علينا نحن أبناء الوطن تجاه هذا الصرح المشيَّد حديثا بين أيدينا¿
أولا: يجب أن نقابل التطور بتطور حضاري ومعنوي وحسي أيضا¡ وأن نعي أنه لا يمكن أن تصدح الطيور المغردة في واحة قاحلة¡ وتصحر المشاعر وتصحر القيَّم والأخلاق هو ما لا يدعم هذا الجمال الوثاب في كل شيء. ثانيا: يجب أن نغوص كثيرا وليس بالأمر اليسير في عمق الشيم العربية وكيف أن (خَرْم) الشيمة هو ما كان يجعل الرجل منا يُنبذ في مجتمعهº وعلى من يريد تذكر هذه الشيم فليراجع كتاب (المروءة وخوارمها) تصنيف "أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سليمان" لأننا بهذه الشيم نستطيع أن نقود العالم إلى الحب والسلام المجتمعي والعالمي - ونحن أهلها - لكي يتواءم هذا الجمال الوثاب المبذول مع الجمال المعرفي والإنساني البحت.




http://www.alriyadh.com/1858173]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]