بعد بلوغه الخامسة والستين أدرك عالم الفيزياء الدكتور "جون غوديناف" أن جامعة أكسفورد سوف تحيله إلى التقاعد بعد عامين حسب أنظمتها¡ لم يركن وانتقل إلى جامعة تكساس ليعمل فيها ثلاثة وثلاثين عاماً أخرى! ثم يظفر بجائزة نوبل للكيمياء!
في العام 2019 منحت الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للكيمياء لثلاثة علماء بالشراكة¡ قاموا بتطوير بحوث بطاريات الليثيوم¡ وهم: البريطاني "ستانلي ويتينغهام"¡ والياباني "أكيرا يوشينو"¡ وصاحبنا المعمّر الأميركي "غوديناف"¡ الذي أمسى أكبر شخص عمراً على الإطلاق يحصل على نوبل¡ إذ كان يبلغ 97 عاماً.
يقول "غوديناف": "من الغباء جعل الناس يتقاعدون في عمر معين¡ والدليل أنني قضيت ثلاثاً وثلاثين سنة جيدة منذ أن أجبرت على التقاعد في إنجلترا¡ لهذا السبب غادرت". وانتقل إلى جامعة تكساس التي لا تلتزم بسن محددة للتقاعد¡ ليواصل تدريس الطلاب وتقديم المحاضرات العامة والأهم استمرار مسيرة أبحاثه التي قادته للعديد من الجوائز العالمية¡ توّجت العام الماضي بأهم جائزة بشرية.
وضع "غوديناف" حجر الأساس لبطاريات الليثيوم باختراعه القطب السالب لأكسيد الكوبالت¡ الذي يُستخدم في بطاريات الأجهزة المحمولة مثل الجوالات ولاحقاً السيارات الكهربائية¡ كما نجح في مضاعفة بطارية الليثيوم¡ مما مهد الطريق أمام تطويرها لأكثر كفاءة وأطول عمراً.
وكان قد حصل على الدرجة الجامعية في الرياضيات قبيل الحرب العالمية الثانية¡ ليخدم كعالم أرصاد جوية في الجيش الأميركي¡ ثم يعود لوطنه ليكمل الماجستير والدكتوراة في شغفه "الفيزياء"¡ ثم ينطلق قائداً لفريق مختبر لينكولن بمعهد ماساتشوستش لمدة 24 عاماً وتثمر جهوده عن تطوير "ذاكرة الوصول العشوائي" و"الترتيب المداري التعاوني" وغيرها¡ ثم ينتقل نهاية السبعينات إلى جامعة أكسفورد البريطانية كرئيس لمختبر الكيمياء غير العضوية حتى منتصف الثمانينات حيث اضطر لمغادرة الجامعة هرباً من التقاعد الإجباري¡ فهو ما يزال في قمة عطائه¡ بل يرى أنه "حتى إذا فقدت الموهبة في عمر معين¡ فأنت ما تزال تملك الخبرة¡ التي**ستنقلها للأشخاص**وتفيدهم بها"¡ كالتدريس أو التوجيه والإرشاد أو الاستشارات¡ وهو ما أكده بنشاطه الذي استمر وما يزال في مدة زمنية تكاد تناهز المدة التي قضاها قبل التقاعد المفترض!
كم يوجد بيننا من مبدع وخبير ترجّل عن الميدان فقط لأنه بلغ السن النظامية للتقاعد¿ من دون أن ندرك أننا نخسر ما لديه من تراكم معرفي أو رصيد خبرات وتجارب تذهب هباءً منثوراً¿ نعم¡ من الرائع أن يستريح المرء بعد مسيرة حافلة من العطاء¡ لكن هناك الكثير من المهن والتخصصات وبالذات العلمية التي ما إن تصل إلى قمة عطائك ومجد خبراتك حتى تتفاجأ أنك قاب قوسين أو أدنى من خط النهاية! وهذا ما لم يقبله "غوديناف"¡ الذي استمر وأبدع في بيئة تقبله وتشجعه¡ فكم لدينا من قامة لديها شجاعته وأمله في مواصلة العطاء¿




http://www.alriyadh.com/1858429]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]