دول الصف الثاني في العالم عليها تغيير سياساتها وخاصة مع اضطراب ميزان التحالفات¡ ولعل أفضل نصيحة يمكن أن تقال لدول الصف الثاني عالمياً وخاصة الدول ذات المكانة الاقتصادية والجيوسياسية¡ وتكمن هذه النصيحة في ضرورة تصفير مشكلاتها الإقليمية وفض نزاعاتها تحت منهجية المصالح والمصلحة..
تنوع مفرط للغاية للأنظمة السياسية على المستوى الدولي يشكلها بصورة مستقلة¡ ومع أن التاريخ السياسي بمفهومه الشامل يرسم جدول المشتركات عند دراسة الدول إلا أن الأنظمة السياسية تتفاوت وبشكل كبير في ديناميات السياسة وتبدو للمراقب لها أنها مختلفة ومتفاوتة¡ والسؤال هنا يدور حول قدرة المصالح على ترويض النزاعات ومشروعيتها¡ ترويض النزاعات السياسية قضية مشروعة بين الدول وفي داخل التشكيلات السياسية لكل دولة وخاصة عندما تلتقي المصلحة عند تقاطع المصالح¡ لذا تصدق هنا المقولة السياسية المتداولة: إنه لا عداء دائم ولا صداقة دائمة بل هناك مصلحة دائمة¡ وهي من تحكم ترويض النزاعات مهما بلغت مستوياتها السياسية درجات في سلم المشكلات السياسية.
في النزاعات السياسية هناك أعباء مترتبة على تلك النزاعات¡ ومهما كان حجم النزاع فلا يوجد في عالم السياسة نزاع متكافئ¡ فدائماً هناك تفوق لأحد الطرفين لأن المرحلة الصفرية في النزاعات السياسية تلغي مفهوم النزاع¡ وتعادل المصالح في المشكلات السياسية مرحلة طبيعية¡ فعلى المستوى الدولي اليوم يشهد النزاع الأميركي الصيني مرحلة مهمة¡ لأن قيادة العالم من أحد الطرفين تلزمه تحمل أعباء هذه القيادة¡ فأميركا التي تعد اليوم القطب الأهم تواجه أزمة كبرى في كيفية ترويض نزاعاتها السياسية مع الصين¡ لأن مؤشرات السياسة الأميركية في عهد الرئيس ترمب توحي بأن أميركا لا ترغب في تحمل أعباء قيادتها للعالم بينما تريد أن تحتفظ بمكانتها العالمية وهذا أمر مستحيل أو شبه مستحيل حدوثه.
في المقابل تبدو الصين للعالم أكثر صبراً وهي تمرر نفوذها المتزايد في العالم بطرق سياسية تترك أثرها على خصمها التاريخي -أميركا-¡ الصين كما تبدو لا تستعجل الخروج من مسار النفوذ العالمي بشكل مكتمل¡ ولكنها في الوقت ذاته تدرك أن تخطي أميركا على المستوى الدولي عملية معقدة¡ فالتفوق الأميركي مرتبط بقدرة أميركا التاريخية -قبل الرئيس ترمب- على تحمل أعباء سيطرتها الاستراتيجية في العالم¡ فهناك عشرات القواعد الأميركية وآلاف الجنود المنتشرين في العالم استطاعت من خلالهم أميركا أن تتربع على عرش النظام العالمي وتتحكم فيه.
الطرف العالمي الثالث هو روسيا التي تصارع نظرية انهيار الاتحاد السوفيتي عبر استعراض قوتها واستعجالها تحقيق المكاسب¡ وروسيا اليوم تحاول أن تسابق الزمن في استعراض قوتها في المجالي العسكري والتقني¡ وهي تعمل على الاستفادة من الأزمات التي تشارك فيها لتحولها إلى مصالحها الخاصة¡ وخاصة في الأزمة الإيرانية حول السلاح النووي أو الأزمة السورية أو في ليبيا¡ روسيا تلتقط المساحات السياسية التي تبدو فارغة من الأميركيين والصينيين وترسم سياستها لأن تكون بديل أميركا في مواجهة الصين خلال العقود الماضية¡ كما أن روسيا تدرك أن هناك العديد من الثغرات بدأت تتشكل في النظام العالمي ولعل النفوذ المتزايد لروسيا في أوروبا يثبت أنها لاتريد أن تكون خارج النزاعات السياسية الدولية.
المسرح الدولي مفتوح على مصراعيه أمام نزاعات مقلقة ومخيفة وعشرات المواقع في العام تشكل بؤرة خطر في النزاعات الدولية وهي متفرقة في أنحاء العالم وفي كل القارات هناك نزاعات تهدد العالم والأمن العالمي¡ وقد يجوز القول: إن الانحسار الأميركي ساهم في إرباك المشهد العالمي فحتى الدول أصبحت جزءاً من هذا الإرتباك¡ فلم تعد التحالفات الدولية مقصورة على حليف واحد في الدول¡ ففي الشرق الأوسط تجرب دول الخليج على سبيل المثال أن تضيف إلى قائمة حلفائها أكثر من دولة وهذا يعد استجابة طبيعية لمشهد التحولات العالمية¡ وسوف تستغرق الدول العقود المقبلة في اختبار فاعلية تعدد الحلفاء¡ وهذا ضرورة تاريخية.
العالم السياسي تحكمه قوانين المصلحة وتضبط إيقاعه في الأداء التاريخي¡ ومؤثرات التحولات العالمية الحالية تنعكس بشكل جلي على الواقع الدولي¡ فالنظام العالمي اليوم يمر بمرحلة صعبة ومترددة فلا أحد يراهن على حليف واحد يمكن الوثوق به وهذا مقبول في هذه المرحلة التي سوف تثمر الفرص وبالوقت نفسه قد تقتلها.
دول الصف الثاني في العالم عليها تغيير سياساتها وخاصة مع اضطراب ميزان التحالفات¡ ولعل أفضل نصيحة يمكن أن تقال لدول الصف الثاني عالمياً وخاصة الدول ذات المكانة الاقتصادية والجيوسياسية¡ وتكمن هذه النصيحة في ضرورة تصفير مشكلاتها الإقليمية وفض نزاعاتها تحت منهجية المصالح والمصلحة¡ اليوم بوصلة النظام العالم تتغير بشكل كبير واستقبال تحولات هذا النظام مرهونة في تصفير المشكلات والتخفيف من حدية التحالف وتوزيع التحالفات بشكل متوازن انتظاراً للمشهد العالمي الذي قد لا يستمر طويلاً قبل أن يظهر¡ خاصة وأن أزمة كورونا ساهمت سياسياً في تجاوز المراحل¡ وهذا ما ينبئ أن السنوات المقبلة تحمل مفاجآت صارمة على المستوى الدولي.




http://www.alriyadh.com/1859860]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]